Friday 11 October 2019

منفاك موطنك الوحيد







باتت الحياة في وطني كابوسا لا ينتهي..كل ما حولي صارعبثاً  خالصاً و صِرتُ  كجرسٍ صدئٍ معلقٍ في كنيسةٍ مهجورة, كلما مسته يدٌ تداعى ألماً ثم تلاشى أنينُه تدريجيا تاركاً ورائه صمته الحزين

ماذا جرى يا وطني؟ لِم لم يعد الحق و الباطل فيك حقيقتان ملموستان كما تعلمنا في زمن البراءة؟ أصبحا مجرد زاويةَ رؤيةٍ بحسبِ الموقع الذي تحتله و القوة التي تمتلكها. من أين تأتي تلك القوة الخفية التي تبعد الطيبة نحو الأقاصي و تُقرب القسوة نحو الأداني؟

 ماذا جرى لِحُماتِك و حُماتُنا؟ صِرنا نحن الأعداء و صار عدوهم هو الصديق! كانوا يموتون من أجلِ حفنة تراب  -ليمحوا عار نكسةٍ واحدة- و لا يتذمرون..و اليومَ يُفّرطون في الأرض و الماء و السماء -وتتوالى النكساتُ - و هم يتفاخرون

ماذا جرى لناسك في البيوت و في الشوارع وعلى المقاهي و الأرصفة؟ ما كل هذا الخوف الساكن في الزوايا و الحنايا  و القلوب ؟ خوفٌ كماءٍ راكدٍ في بئرٍ عميق إذا حاولت أن تلقي فيه حجراً صغيراًإستحالَ موجةً عارمةً ترتطم بوجهك و تُزلزل كيانك و ترديك غريقاً في بئر الخوف اللعين

ماذا جرى للأصدقاء و للفرقاء و لرفقاء الدرب و الأحبة؟ الكل يخذلك حين يحين دوره ...  ما كل هذا الخذلان؟ أهي كثرة الخيبات و الانكسارات و تكرارها المستمر ما جعل منهم مسوخاً  يتحملون الصدمات والأوجاع  بعيونِ منطفئةٍ  وجلودٍ ميتة  لا جدوى لها  و لا أدنى إحساسٍ بالألم؟ ما كنهُ تلك الهوة التي تكبر بينك و بين الجميع..لا إسم  لها  و لا حدود لإتساعها.. مسافةٌ لا يمكن تجاوزها أو القفز فوقها تتركك وحيداً معزولاً عن  كل ما أحببتَ يوماً فيصبح سياناَ لديك البقاءَ أو الرحيل

فيما مضى كنت أظن أن جذورنا هي ما تُبقينا راسخين في مواجهة العواصف و الخطوب.. الآن و قد هدأت كل العواصف بما في ذلك عاصفة الحياة نفسها..أصبح بإمكاني أن أرى الأشياء بوضوحٍ أكثر و بخوفٍ أقل.. أرى الآن أن تلك الجذور التي مددناها بحبٍ سوف تجمدنا في أماكننا حتى نتعفن فيها..وطنُنا تغير كثيراً و ما عاد في حاجةٍ لنا و لم يبق لنا منه ما يملأ قلوبنا و أفواهنا...لم يبق لنا منه سوى غبارُ الأوهام و الوجوه القديمة التي أحببناها يوماً حين كنا ساذجين. لم يبق سوى لحظات من سعادات تفلتت من بين أصابعنا و احتفظنا ببعضٍ من مذاقها في صناديق الذاكرة..و لأن ذاكرةَ الفقد كلابٌ مسعورة تنهش بلا رحمة  إذا أُطلقت من عقالها, صار لزاماً علينا أن نغلق تلك الصناديق بإحكام وننسى ..نتقبل مصائرنا الصعبة و نَنبِت بقوةٍ في  أرضٍ جديدة لن تصير لنا وطناً و لكنها ليست المنفى الوحيد بعد أن أدركنا أخيراً أن منفانا هو موطننا الوحيد



اقتُل أخاكَ أو انتحر
لولاك يا نسيان لأنقرضَ البشر
يا ويل إنسانٍ بقلب
في أي عصرٍ..أي قطرٍ.. أي شعب
حينَ الصدور بلا قلوب
مثل النعوش الفارغة
منفاهُ موطنه الوحيد
حتى على أرضِ الوطن
ما ذنبها الأوطان
حين يكون منفانا الزمن


"لزوم ما يلزم" 








Friday 30 August 2019

أربعون

 



تداهمني الأربعون ,و كأنها جاءت في غفلةٍ مني ففاجئتني ,و أنا التي أنتظرها منذ أعوام لتأتيني بجلاء البصيرة و الحكمة المؤجلة.. عاهدت نفسي منذ زمن بعيد أن أجلس إليها  في ذلك اليوم تحديداً لأن لي معها حديث طويل مؤجل.. لا يصعب عليّ الوفاء بالوعد الآن...كبر الأولاد و صار لكل منهما عالما يخصه يفصلني  عنه  صمتٌ طويلٌ و أبوابٌ موصدة و حواجزٌ لا تُرى بالرغم من أنها هناك.


 هل يمكن أن يحكي شخصٌ ما حكايته فيتمكن من استحضار كل  تفاصيلها ليجمعها بين قوسين أو في بضع صفحات و يقدمها إليك قائلا "..هذا هو ملخص ما كان"؟
 يصعب التلخيصُ, و الاختزال لا يفي حتى و إن استطاع أن يشير.. فالحكايةُ  لا تخصك وحدك , حكايةٌ ممتدةٌ  تشابكت و تداخلت مع حكايات الآخرين.

كيف يمكن أن أحكي عن طفولتي و شبابي و أحلامي القديمةِ دون أن أتورطَ مع أشباحٍ أسكنتها ركنَ الذاكرةِ المظلم  و أغلقت عليها الباب بإحكام.. كيف أجد  الجرأة على إخراجها لحيز النور.. فأعيد الحياة للفتاة الصغيرة التي كنتها و أحببتها لأنها لا تكبر أبدا..للوجوهِ و الأصواتِ و الأفراح المنسية..لأجدها رغم أنفي تشاركني صحوي و نومي و قهوتي و الهواء الذي أتنفسه كل صباح؟ كيف أحكي عن الحب  دون أن أنكأ جراحاً اندملت وحكايات اكتملت و مشاعراً يصعب أن تطوقها الكلمات؟.. أستطيع أن أوجز فأقول أن الحب يترك أثره  سواء كان لمعةً في العين أو ندبةً في القلب أو مزيجاً من الإثنين.. يقسم الفرح نصفين و الحزن نصفين و القلب نصفين و العافية نصفين..و لكنه يعطي المعنى للحياة.. كيف أستطيع أن أُتتبع رحلة عمرٍ كامل و أنا لاأدري حقاً متى و كيف بدأت.. فحين ظننت أنني أقف في انتظار القطار الذي يخصني كانت قد حملتني قطارات أخرى تخص غيري و مضت  ..بنيت حياةً كاملة من التفاصيل و عشتها و أنا - وياللعجب - ما زلت أنتظر هناك.. و لم العجب و الانتظار فعلٌ ملازمٌ للحياة و ليس بديلاً عنها و إن بدا غير ذلك..

 كيف أحكي عن صغيرٍ أكبر من الكف بقليل و لكنه دون شك أكبرُ  معجزةٍ تمنحنا اياها الحياة..ثم تمنح الحياةُ من جديد و تصبح المعجزةُ اثنتين..أراقبهما في جذلٍ فتستهلكني تفاصيلهما بالكامل و أغرق فيها..الضحكة الأولى و الخطوة الأولى و السن الأول. الكلمة الأولى و يوم المدرسة الأول و الامتحان الأول.. طعم أول نجاح وأول احباط و أول جدال و أول خصام.. تتكرر الأشياء و تتشابه الأيام و تتباين.. أيام نحبها و أيام لا نفهمها ..أيام ننتظرها و أيام لا ندري كيف مرت .. تمضي الحياة بصخبها اليومي و تفاصيلها المنهكة و الضوضاء المصاحبة لكل ما سبق .. و في ضوضاء العائلة يجد القلب السكينة فيسكن و يستكين.. ثم و في غمضة عين يصبح الصغيران صبيَين يستعجلان  الزغب يريدانه شاربا ليصبحا رجلين و يمضيان.. يضيق شريكُ العمر بحياةٍ لا يراها عادلة في وطنٍ يحترف الظلم منذ قرون فيقرر أخيراً أن يطارد أحلامه خلف أفاقٍ بعيدة في بلاد النفط أو بلاد الثلج أو أي مكانٍ ليس هنا..أدرك جيداً أنها سُنةُ  الحياة فلا اعتراضٌ و لا سخط .. فقط سؤالٌ لحوحٌ يبحث عن اجابة شافية....ماذا أريد أنا؟! يباغتني السؤال و يفاجئني أنني لا أتذكر الإجابة.. لم يسأل أحدٌ هذا السؤال منذ زمنٍ بعيد و لا حتى أنا!    أين أذهب بعد أن يمضي  قطار الآخرين  بدوني حاملا معه التفاصيل التي  بنيتها في أناة و سميتها حياة.. أقف اليوم فوق تلة العمر و أرى السفح من الجانبين بوضوح.. أرى الجزء الذي يخصني وحدي وقد تضائل حتى أصبح يُرى بالكاد..أرى كل عامٍ مضى  حكاية قصيرة مكررة لا بداية لها و لا نهاية... لا عبرة فيها و لا عظة.. لا حكمة فيها و لا رجاء.. بلغتُ الأربعين  و كبرت الفتاة التي أحببتها لأنها لا تكبر أبداً.. فلا أصبحت الشخص الذي أردت أن أكونه و لا أحببت الشخص الذي صرته.. بلغت الأربعين و أنا لا أعرف موضع قدماي على الأرض و لا موضع طريقي في السماء فلا أدري أأبكي العمر الذي مضى دون جدوى  أم العمر السائر بلا هدى..
أرى أنني وبكامل ارادتي صنعت كرات ثلج صغيرة مع كل خيار خاطئ ظننته الأفضل في وقتها..أكتشف أن خيارتنا الأفضل قد  تصبح مع الأيام مسببات لأحزاننا و ألامنا ..أرى كرات الثلج و قد تجمعت و أصبحت كرة هائلة تستعد الأن لمطاردتي و أنا أنحدر إلى الجانب الآخر من التلة
أرى الأن أن حياتي  ليست سوى حياةً واحدة من حيوات لا تُعد كان من الممكن أن أحياها فقط إن سلكت دروبا مختلفة..في حياةٍ أخرى كان من الممكن أن أنام ملء جفوني دون أن توقظني خيبة الأمل.. و في حياةٍ أخرى لن يصيبني ذلك الوهن و لن ترهقني أعصابي التي أتلفتها السنون بقسوتها.. في حياة أخرى كان من الممكن أن أعشق حتى ينفذ العشق و أبلغ حدودا للذة لم يبلها بشر من قبل ..و في حياة  أخرى كان من الممكن أن تنبت لى أجنحة  فأسافر إلى أخر حدود الحلم و لا أعود.

انتهت جلستي مع نفسي و عدت إلى حياتي اليومية و بداخلي هاجس يؤرقني.. ربما أمر بأزمة منتصف العمر  أو ربما شيء أكبرمن ذلك  و لكن المؤكد أنني بحاجة للمساعدة من شخص ما

Monday 22 April 2019

كُلُ هذا الهُراء





صباحاً.. أستيقظ من نومي و كأني خارجة من معركةٍ عنيفة استمرت لساعاتٍ طويلة. يؤلمني جسدي كله و يرجوني أن أبقى حيث أنا إلى ما لا نهاية.. أتجاهل الرجاء الساذج و أجرجره رغمأ عنه لمواجهة الحياة. أصل إلى مقر عملي وتصل معي أسئلتي الخزعبلية التي لا تتوقف عن الدوران داخل عقلي بمجرد ولوجي داخل المكان البائس الذي أعمل فيه.. لماذا لا يزداد الراتب تلك الزيادة المحسوسة التي أستطيع أن أشعر بها ؟ لماذا تزداد معه الضرائب و الاستقطاعات في علاقة طردية لصيقة دون أي زيادة في الخدمات لا كماً و لا كيفاً؟! لماذا لم نحصل على باقي مستحقاتنا اللعينة نظير عملنا في مبادرة الكشف عن فيروس سي  لثلاثة أشهر متتالية و قد مر أربعة أشهرعلى انتهائها؟! أبدأ في كتابة شكوى جديدة لجهة جديدة عسى الله أن يحدث أمراً.. أوقع أنا و زملائي عليها و نحن نبرطم ساخطين: - حسبنا الله و نعم الوكيل.

ظهراً... أذهب لشراء مستلزمات المنزل... أمر على الأسعار التي أصابها الجنون منذ فترة طويلة بعين باردة غادرتها الدهشة و هجرها الاستنكار, فالإعتياد يقتل كل المشاعر حتى الغضب.. لا اعتراض و لا فصال و لا شراء في أغلب الأحيان.. تطبيقاً للحل العبقري الحكيم "الحاجة اللي تغلى ما تشتروهاش"  والذي تلاه تصفيق حار على كل الأحوال..حتى و ان كانت تلك الأشياء هي الكهرباء أو  الغاز أو حتى الماء.. تلك هي العبقرية الكامنة و الحكمة المستترة. يسير البشر في الطرقات متجهمين مكفهري الوجوه وقد انحنت أكتافُهم و كأنما نائت بأحمالٍ كالجبال. تهرب العيون من التلاقي و  لا تنفرج الشفاه إلا لتمتماتٍ غير مفهومة أو لأكثر الأقوال شيوعاً تلك الأيام: -حسبنا الله و نعم الوكيل.


عصراً... أدعو الولدين لاستذكار دروسهما فيجيبني صمت مطبق .. نحن مع الأسف من البيوت المنكوبة بتجربة  الثانوية التراكمية الجديدة. أرى طلاباً كانوا نماذجاً للتفوق و الإلتزام و قد أُصيبوا بكمٍ من اللامبالاة و الاستهتار لا حدود له! باتت وجوههم ملتصقة بشاشات هواتفهم الذكية ليلاً و نهاراً. و من حرمه ضيق اليد أو صرامة الأهل من تلك الآفة عوضته وزارة التربية و التعليم الغراء بجهاز لوحي يملأه بخدعةٍ ما بكافة مواقع التواصل الاجتماعي و أحدث الألعاب الألكترونية. و كلما حاولت الوزارة النابهة تطهير الأجهزة مما أصابها نجح النوابغ في ابتكار طرق لولبية جديدة لإستعادتها من جديد.. لايجرؤ أحد أيا كان أن يطالبهم بالاستذكار أو يذكرهم بالمستقبل الذي بات مجهولاً و مخيفاً بالنسبة لهم. و إن حاولت استخدام المنطق في الحوارمعهم يردونه إليك مهلهلاً مفسّخاً على حد تعبيرهم المشابه الدارج بالعامية القبيحة ماذا و كيف و لماذا و ما الجدوى.. الأسئلة من خارج الكوكب يحتار في أجوبتها المعلمون فما فائدة الكتب؟ امتحانات النصف الأول من العام تم تسريبها بمعدل تسريب لكل طالب. أما النصف الثاني فقد ذهبوا للإمتحان و انتظروه و لم يجيء, لم تتحمل المنصة البائسة الأعداد الكبيرة فتهاوت على أدمغتنا جميعا و عادوا هم إلى منازلهم ضاحكين في محاولة للبحث عن الامتحان بعيداً عن الزحام! ترك المعلمون نصف المقررات بلا شرح لعدم الجدوى أو انعدام الضمير..ثم يخرج عليك الوزير الهمام بعد كل ذلك معلنا نجاح المنظومة و محاربة الدروس الخصوصية التي ازدادت أضعافا! – حسبنا الله و نعم الوكيل


رواحاً... أحاول أن أخرج قليلاً من دائرة الطاقة السلبية التي تضيق حولي وتكاد تطبق على أنفاسي ..أُقلِّب في قنوات التلفاز فأجد غالبية الأفلام لا تكاد تخلو من الألفاظ أو المشاهد الخارجة  أو كلاهما معاً..  قنوات الأغاني تعج بما يسمى بأغاني المهرجانات التي تصيبني دوماً بالغثيان و الدوار كلما سمعتها.. أوصاف مبتذلة و تلميحاتٌ بذيئة و كلمات مجهولة المعنى بالنسبة لي.. أما البرامج الحوارية  فتجدها  بمفعول سحرٍ ما تناقش نفس الموضوع و تبدي نفس الآراء و تستخدم نفس العبارات و الصيغ .. تعرض جميعها نفس المشاهد للعرس الديمقراطي المسمى بالاستفتاء على التعديلات الدستورية..   طوابير تزينها علام مصر الصغيرة التي تهفهف في أيدي بشرٍ يبتسمون بملءِ فيهِم و يلوحون لآلات التصوير. بشرٌ سعداء و راضون عن الانجازات التي تحققت فأرادوا منها المزيد و المزيد.. بشرٌ غير هولاء  الذين أراهم كل يوم حولي في كل مكان. أغلق التلفاز و أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي لأجد عالماً موازياً! ميكروباصات يتم ايقافها قسراً و إجبار من فيها على التوجه للجان.. القبض على شاب وقف وحيداً على رصيفٍ ما يحمل لافتة كُتب عليها لا للتعديلات.. صناديق و كوبونات يتم توزيعهاعلى من يشارك في الاستفتاء.. رئيس واحدة من أعرق الجامعات المصرية يقف وسط الطلبة و ينهال عليهم بعروض تشبه عروض الهيبر ماركت في الأعياد..اعفاء من المصاريف المتبقية و هدية 5 درجات مئوية  لمن يدلي بصوته في الاستفتاء و "تحيا مصر 3 مرات و تصفيق حار كالمعتاد". أما عند اللجان فترى مشاهدا تنافس أقوى أفلام الفانتازيا و الكوميديا السوداء.. العروسان اللذان قررا تلبية نداء الوطن قبل نداء الفطرة.. من جاءت يحملها حصان و من جاءت تحمل قطة.. المكفوف الذي أبصر و القعيدة التي قامت. المحمول فوق نقالة الاسعاف و الجالسة على كرسي متحرك تحتضن انبوبة البوتاجاز (الأكسجين ) .أما وصلات الرقص فنقلة نوعية و حدثٌ فريد. سيدات في منتصف العمر أو أكثر يرقصن رقصاً هستيريا يصل حد خلع الملابس في احدى الحالات! يتركن العكاكيز جانبا و يرقصن بالعصى و الصاجات! سيدات و شباب يرقصن رقصاً أكثر شبهاً بحركات الشامبانزي و البونوبو مع الاعتذار للحيوانات.. يلي هذا كله وصلات الاتهامات المرسلة من كل جانب و المعارك المشتعلة بين المؤيد و المعارض التي تنتهي بالسباب و الاهانات. لا يقتصر ذلك على  السياسة فقط لكنه يطال كل جوانب الحياة.. مشجعو الأهلي و مشجعو الزمالك في دوري عقيمٍ بلا كرة و لا جمهور.. مؤيدو الرئيس الحالي و مؤيدو الرئيس السابق و مؤيدو الرئيس الأسبق و معارضو كل هولاء! الموافقون على نظام الثانوية الجديد و المعارضون له و الذين لا يفقهون ما الذي يجري حولهم من الأساس. من يرى أن مصر تتقدم للأمام و من يراها تقبع في قاع الكوكب و من يرى أن رئيس كوريا الشمالية قد تأخر في ضربنا بالسلاح النووي..رأسي يكاد ينفجر.. 
حسبنا الله و نعم الوكيل.


ليلاً... أرتمي على الفراش و قد أًنهكت تماماً.. كل ما أرجوه أن تتوقف الحرب الدائرة داخل رأسي كي أستطيع النوم..أفتح الكتاب الملقى على المنضدة المجاورة للسرير ثم أعيده حيث كان. أفكر في الاتصال بصديقة ما فلا أجد القدرة و لا الرغبة في الكلام.. أسرح في مشاهدٍ بعينيها في اليوم الذي يتكرر كل يوم..الرقص الهستيري و الرجال الذين يرفعون أيديهم الغارقة في الحبر الفسفوري في وجه الجميع ويبتسمون ابتسامة النصر و كأنهم قد ذبحوا القاضي للتو!أتسائل عن سبب تلك الأفعال المبالغ فيها؟ لا تكفي الأموال أو الصناديق أو حتى القناعات التامة لأن تكون أسبابا مقنعة .. انها الشماتة! الشماتة فيمن قاموا بثورة تم تشويها و القضاء على جميع انجازاتها و كان هذا هو آخر الانجازات.. شماتة البعض في البعض الآخر الذي شمت فيهم من قبل أو هكذا صور الإعلام للطرفين.. انقسم الوطن نصفين كل نصف يرى أنه على صواب مطلق و أن النصف الآخر على خطأ مطلق.. كل منهما يفرح لمصائب الآخر و يحزن لأفراحه و يهدد و يندد و يحذر الأجيال القادمة من عواقب المصالحة أو نسيان ما كان.
 حسبنا الله و نعم الوكيل.
يعود زوجي متأخراً و يرتمي على الفراش و قد أُنهك تماماً.. يحدثني للمرة المليون عن صحة قرار الهجرة و أجادله للمرة المليون بقناعاتٍ ما عدت أؤمن بها.. أجادله لا عن انتماء للوطن و لا لأملٍ في غد يختلف عن سابقيه و لا بمبدأ " و لا اللي جوة مرتاح و لا اللي برة مرتاح". فقط أجادله لأنه ما عادت لدي الطاقة و لا الرغبة في أن أبدأ من الصفر في مكان جديد حتى و إن كنت على يقين أنني أقبع هنا تحت الصفر! يرهقنا الجدال فنتوقف, نتصفح مواقع التواصل و نتبادل الصور و النكات التي يطلقها الناس على واقع الحال ونضحك.. نقرأ التعليقات الساخرة اللاذعة و نضحك أكثر.. نضحك حد الانهاك فنتوقف. و حين أطفئ الأنوار و أغمض عيني لأنام يتحول الضحك إلى بكاء!

Monday 28 January 2019

تلك الأيام








الإثنين 28 يناير  2019

 أمُرُ بالطرقات التي مررنا بها من قبل.. أتوقف قليلا على الجسر الممتد فوق النهر العجوز.... لماذا لم تكن سخياً عندما عبرك الطيبون و الحالمون الذين خذلهم الجميع  و لم يعد لهم رفيق سوى خسائِرَهم  و منافيهم و أفراحهم المسروقة؟.. أصِلُ للميدان الموحش الذي هجرته الحياة منذ أن هجرناه ..اندثرَ كلُ شيء و لم يتبق ما يدل على أن زماناً ذاخراً بالفرح و الأحلام و الأحزان قد مر من هنا.. لم يتبقَ سوى الصمتُ الذي لا رجعَ له و لا صدىً..أما  أكثرُ ما يرهقُ الصامتين فهو ضجيجُ عقولِهم بالذكريات العنيدةِ التي لا تهادن و لا تلين.. يحملونها معهم  أينما ذهبوا فتضعهم أمام جراحهم  و خيباتهم في الوقت الذي تريد..

الثلاثاء 25 يناير 2011

 في الثانية ظهراً, وصلت الميدانَ المعلنَ عنه على صفحات التواصل الاجتماعي ضمن ميادين أخرى.. كان مزدحماً بالبشر كعادته.. كلٌ يمضي إلى وجهته.. لا شيء يبدو مختلفاً سوى صفين من جنود الأمن رُصّوا على الجهتين المقابلتين للميدان.. انتظرت  قليلاً دون أن أدري ماذا أنتظر و كدت أن أعودَ خائبةََ الرجاء حين رأيته قادماً..يسير بخطىٍ واسعة واثقة..أطول قليلاً ممن حوله.. عالياً مثل غيمة.. متفائلاً مثل زخات المطر الأولى..مبهجاً مثل صباحٍ شتوي رائقٍ يعدك بالدفء .. أو هكذا خُيلَ لي.. اجتمع حوله عدد قليل من الشباب  فوقفت بعيداً لأني كنتُ الفتاةَ الوحيدةَ.. أو هكذا صُوِّرَ لي.. تحركوا فتحركت خلفهم في حذر.. اضفت الصورة بألوانها المبهجة الدفءَ على الأماكن الباردة .. حفنة من الشباب تخترق شوارع المنشية الضيقة باتجاه وسط البلد يحيط بها من الجانبين صفان من جنود الأمن في زيهم الأسود يتقدمهم ضباط ذو رُتبٍ كبيرة ترتج أجسادهم الممتلئة اعتراضاً وهم يهرولون للحاق بالمسيرة ذات الخطوات الواسعة... كانت عيناى معلقتان بالشاب المحمول فوق الأكتاف لا تغادرانه إلا لتأملِ المشهدِ من حولي بتفاصيله الصغيرة.. تلك التفاصيل الصغيرة التي تحدث الضجة الكبيرة بداخلي فتغير ما تعجز المواقف الكبيرة عن تغييره .. التفاصيل الغير واضحة التي قد يتجاهلها الآخرون و أستمر وحدي بالغرق فيها... الوجوه العازمة و العيون التي تلمع في زواياها دموع الفرح فتضيق مع ابتسامات الامتنان ..الأصوات الهادرة التي راحت تعلو حتى لامست حافة السماء حيث تسكن الأحلام البعيدة و الحكايات المستحيلة.. ساكنو البنايات القديمة و قد خرجوا إلى الشرفات يلوحون و ينادون فنرد عليهم النداء " يا أهالينا ضموا علينا "..أصحاب المتاجر و قد غادروا متاجرهم  و وقفوا يتبادلون النظرات  الذاهلة..يصفق بعضهم لنا اعجاباً فنصفق لهم تقديراً و نمضي و قد اتسعت الابتسامات أكثر فوق الشفاه... الأعداد التي راحت تتزايد و ما عادت تقتصر على الشباب..رجال في منتصف العمر و فتايات و فتيان وعجائز يتكئون على عصيهم أو على سواعد الشباب..السيارات المتوقفة طواعيةً دون أدنى تذمر لتفسح لنا الطريق.. فيصبح كلَه ملكاٌ لنا على امتداد البصر و الأحلام.. أعود لأبحثَ عن الشاب المحمول على الأكتاف فلا أجده  وسط كثيرينَ يشبهونه  فأطمئن وأبتسم و أستمر في التقدم للأمام...

الخميس 27 يناير 2011

الوقت  قبل الغروب بقليل.. يندفع الميكروباص في الطريق الصحراوي الواصل بين المدينتين ..أستند برأسي على زجاج النافذة  وأتابع قرص الشمس الأحمر و السيارة  تنهب الطريق خلفه..تلاحقه  و لا تلحق به حتى يغيب..ما زال صوت أمي  يطاردني و اتهاماتها المرسلة لنا بالطيش و الحماقة  تؤّرقُني..آه يا أمي لو تعلمين.. نحن لا نعتنق الحماقة عشقاً لها ,إنما لأننا نرى فيها خلاصنا الوحيد...ضاقت بنا الأرض حتى صارت كخرم إبرة أو كزفرة هاربة من غريق..سُرقت منا أحلامُنا بعد أن تأخرت في صدورنا حتى فسدت و تراكمت فوقها أتربة اليأس و النزق والعجز المقيت...كم من المسالك أخطأنا و نحن نظن أننا على الطريق الصحيح .. نبحث عن وطننا الخفى الذي لا يراه سوانا و الذي توقف عن النمو بداخلنا منذ زمن بعيد.. نحاول أن نصالح مدنَنا المتعبة و ننزع عنها قبحها و لا نترك فيها إلا ما تتوق نفوسنا إليه.. نمنحها و تمنحنا أحلاماً نظيفة لا تشوبها شوائب السنين  .. نحول اليقينَ إلى شكوكٍ و الشكوكَ إلى يقين .. صوت المذياع  يأتيني بأغنيةٍ لم أسمعها منذ أعوام فكنت كمن يسمعها للمرة الأولى.. " حبيبتي من ضفايرها طل القمر.. وبين شفايفها ندى الورد بات.. ضحكتها بتهز الشجر و الحجر و حنانها بيصحي الحياة  في النبات...."

الجمعة 28 يناير 2011

صلاة الجمعة بمسجد الإستقامة... رجال الأمن يُطَوِقون  المصلين من كل جانب.. أتجه ناحية المصلّى المخصص للنساء و أهِمُ بالدخول فأجد شرطياً شاباً ينتظر دخولي ليغلق الباب خلفي بالمزلاج حتى يمنعننا من الخروج  بعد الصلاة.. أُحَذِرُ النساء في الداخل فيخرجن جماعات  ليصلين خلف الرجال في العراء.. نقف استعداداً للصلاة  و في مواجهتنا يقف الجنود  في كامل عتادهم  و نظراتهم الخاوية.. أتوجه ناحية الشرطي الشاب و أخبره بأنه من غير اللائق أن يحدقَ جنوده فينا و نحن نصلي فيعتذرُ ويأمرهم أن يديروا وجوههم فيفعلون.. تنتهي الصلاة  فيرتفع  الهتاف مجلجلاً في الحال " عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية" يتحرك طوفان البشر المتلاصقين بقوة دفع لا أدري من أين جاءت ليخترقوا الحاجز الأمني و يزيحوا الجنود عن الطريق.. نتقدم قليلاً ثم تنطلق صوبنا أولى القنابل المسيلة للدموع...تباغتني الأحاسيس التي لم أختبرها من قبل و لم أتوقعها فتزيد المفاجأة الأمور سوءاً...يحيط بنا الدخان  الأبيض الكثيف فيحجب الرؤية و تُزكِمُ الرائحةُ اللاذعةُ الأنوف فيصبح معها التنفسُ مستحيلاً, نحاول إلتقاط أكبر قدر من الأنفاس فيزداد الوضع صعوبة.. تتسارع دقات القلب و تتوالى نوبات السعال, تنساب الدموع لا ارادياً من العيون و تحترق الوجوه و الأغشية... تفرَّقَت الجموع و ظننت أن الأمرقد انتهى أو أوشك على الانتهاء..  لكن أحد الشباب وقف في منتصف الطريق يهتف بملء الصوت " "متعبناش متعبناش.. الحرية مش ببلاش"..  لا أدري من أين جاء الصدى الذي راح يردد صوته مراتٍ و مراتٍ  فيتركه عالقا معلقاً بين ذرات الهواء! تلاشت أٌثار الغاز تدريجياً و صفا الهواء و رق  فتجمع حوله المتفرقون من جديد و واصلنا المسير...على مدار اليوم و الكر و الفر.. صارت الجموع أكثر تنظيما و خبرة..  سُدت فتحات الأنوف بشرائح البصل- التي ألقاها الأهالي للسائرين- و من فوقها وُضعت الأقنعة الواقية.. بُللت الوجوه  بالمياة الغازية  و الخل و مُلئت الدلاء بالماء لالقاء القنابلِ فيها و ابطالِ مفعولها.. بعض الشبابِ الأكثرِ جرأة كانو يلتقطون القنابل و يردونها لأصحابها مرة أخرى. كانت الريح أحياناً تفعل فعلهم فترد الغاز خائباً مدحوراً من حيث جاء.. لم يكتفوا بالقنابل بل أضافوا إليها الرصاص المطاطي الذي كان موجها في البدء ناحية الأرجل ثم راح يرتفع لأعلى كلما ازدادت حدة الأمور  فزدادت معها وخامة العواقب وضاعت العيون.... اختبئنا داخل الحرم الجامعي بعد أن اعتلى بعض الجنود الأسطح و بدأوا في اطلاق الرصاص الحي..دخلنا حديقة الحيوان هربا من الغاز الخانق الذي غطى سماء المدينة و تشربت به أرضها فتسرب من شقوقها لأنفاق المترو و عالمها السفلي المنسي.. حين عبرنا البوابة الضخمة المهيبة كنا كمن  عبر بوابة الزمن لمكان غير المكان و زمانٍ غير الزمان.. أطفال يركضون  و يلعبون الكرة و يتضاحكون فتطغى أصوات ضحكاتهم الصافية على أصوات السرائن القبيحة و تغطي رائحة الطعام الشهي الذي أعدته الأمهات الطيبات على روائح الغاز و البارود و الموت المتربص بأناة.. عاد الشباب أطفالا في لمح البصر.. ألقوا الغضب و الخوف و القلق جانبا و شاركوهم اللعب و الضحك و راحة البال.. و كأن ما كان لم يكن و ما سوف يكون غير كائن.. لحظات كحلم مسروق وسط ليل طويلٍ لا آخر له..افترشت العشب الندي و اخرجت هاتفي المحمول و رفعت الصوت لأقصى حد.."حبيبتي بتعلمني أحب الحياة.. من حبي فيها حياتي شمس و ربيع.. و الحب في الدنيا دي طوق النجاة لولاه يضيع قلبي المحب الوديع" 

وصلنا شارع قصر العيني بعد العصر بقليل و قد نال منا التعب ما نال, فكنا بين الحين و الآخر نستريح في مداخل البنايات التي يفتحها لنا أصحابها مرحبين..نفترش الأرض و الدرجات و نتناول الأطعمة البيتية التي أًعدت على عجل و نحتسي الشاي الساخن الذي يُقدم لنا مصحوباً بالدعوات.. فُتحت لنا البيوت التي لا نعرف قاطنيها و لا يعرفوننا كي نتصل بذوينا و نطمنئهم من هواتهفهم الأرضية بعد أن تآمرت علينا شبكات المحمول. عرفنا من الأهالي المتابعين لما يحدث أن الشرطة قد انسحبت أخيرا و أن الطريق إلى التحرير قد بات مفتوحاً لنا.. صُور لنا أننا قد انتصرنا في أولى معاركنا الكبيرة فحق لنا أن نحتفل بهذا النصر الصغير..خرجنا إلى الطريق الممتد أمامنا و عدت أنا لتأمل تفاصيلي الصغيرة.. اختفى التوتر و التحفز من الوجوه و حلت محله الابتسامات المتعبة  و نظرات الأمان و الاطمئنان.. سار البشر في جماعات متفرقة و خطىٍ و ئيدة و كأنهم يعيدون اكتشاف الأماكن من حولهم و يرونها بعيون غير العيون.. جلس البعض على الأرصفة يتبادلون الأسامي و العناوين و المدن البعيدة التي جاءوا منها.. كتب أحدهم على جدارٍ خالٍ و كأنما يلخص لهم الحكاية.. " لا يهمني إسمك.. لا يهمني عنوانك..لا يهمني لونك و لا مكانك.. يهمني الانسان و لو ملوش عنوان.. يا ناس يا مكبوتة هي دي الحدوتة.. حدوتة مصرية"  جلست على الرصيف و أرحت رأسي على كتف امرأة لا أعرفها فأحتوتني ..أستطيع أن أجزم أنني في هذا اليوم تحديداً  وقعت في حب الوطن من جديد .. و كأنني أراه للمرة الأولى, وطنٌ يكفي الجميع و يفيض..قلبه واسع و دينه رحب.. أطيافه متعدده و يقينه واحد لا شك فيه..  طرقاته و أرصفته تتسع للجميع حتى و إن ازدحمت بهم لكنها أبدا لا تضيق..أشجاره تظلل العابرين و التائهين و العائدين..  و جدرانه شواهدُ على  أبنائه و أسمائهم  و ملامحهم و أحلامهم الممكنة التحقيق.." للحلوة قلب كبير يضم الولاد.. و زاد و زوادة و ضلة و سبيل.. الموت و الاستشهاد عشانها ميلاد و كلنا عشاق ترابها النبيل" رفعت رأسي و رأيته..أطول قليلاً ممن حوله.. عالياً مثل غيمة.. متفائلاً مثل زخات المطر الأولى..مبهجاً مثل صباحٍ شتوي رائقٍ يعدك بالدفء.. جاء كما جئت من مدينتا العاشقة للبحر للمدينة العاشقة للنيل.. ابتسمت له  وابتسم لي  و أغمضت عيني و استرحت... غفوت قليلاً أو هكذا صور لي.. سمعت في حلمي صوت سيارة مسرعة و مكابح عالية و صوت ارتطام المعدن بالأجساد الحية ثم أصواتَ صرخات و بكاء و عويل.. فتحت عيني كي أفيق  من كابوسي الغير متوقع لأجده على الأرض أمامي و قد غطت دمائه وجهه و تناثر بعض منها على ملابسي.. رأيت وسط غيمة من الدموع شباباً يركضون خلف سيارة دبلوماسية بيضاء أخرج أحدهم من بابها الخلفي الموارب فوهةَ سلاحِه الآلي و راح يطلق الرصاص عشوائياً حتى غاب عن الأنظار... رأيت انكسار الحلم في العيون وسمعت صيحات العجز التي تدمي القلوب .. رأيتهم يخبطون برؤوسهم على الجدران المزدحمة بكلماتهم  و يشعلون النار في كل ما حولهم فتتأجج مع لهيب الغضب الذي اندلع بداخلهم فأحرق الأحلام المولودة للتو.. تداخلت الصور أمامي و غامت الرؤية .. تردد الصدى في أذني و أنا أسقط على الأرض فاقدةً الوعي " في حضنها بنرتاح و نلقى الأمان.. نعيشه حتى إن متنا فيها نعيش"..