Monday 22 April 2019

كُلُ هذا الهُراء





صباحاً.. أستيقظ من نومي و كأني خارجة من معركةٍ عنيفة استمرت لساعاتٍ طويلة. يؤلمني جسدي كله و يرجوني أن أبقى حيث أنا إلى ما لا نهاية.. أتجاهل الرجاء الساذج و أجرجره رغمأ عنه لمواجهة الحياة. أصل إلى مقر عملي وتصل معي أسئلتي الخزعبلية التي لا تتوقف عن الدوران داخل عقلي بمجرد ولوجي داخل المكان البائس الذي أعمل فيه.. لماذا لا يزداد الراتب تلك الزيادة المحسوسة التي أستطيع أن أشعر بها ؟ لماذا تزداد معه الضرائب و الاستقطاعات في علاقة طردية لصيقة دون أي زيادة في الخدمات لا كماً و لا كيفاً؟! لماذا لم نحصل على باقي مستحقاتنا اللعينة نظير عملنا في مبادرة الكشف عن فيروس سي  لثلاثة أشهر متتالية و قد مر أربعة أشهرعلى انتهائها؟! أبدأ في كتابة شكوى جديدة لجهة جديدة عسى الله أن يحدث أمراً.. أوقع أنا و زملائي عليها و نحن نبرطم ساخطين: - حسبنا الله و نعم الوكيل.

ظهراً... أذهب لشراء مستلزمات المنزل... أمر على الأسعار التي أصابها الجنون منذ فترة طويلة بعين باردة غادرتها الدهشة و هجرها الاستنكار, فالإعتياد يقتل كل المشاعر حتى الغضب.. لا اعتراض و لا فصال و لا شراء في أغلب الأحيان.. تطبيقاً للحل العبقري الحكيم "الحاجة اللي تغلى ما تشتروهاش"  والذي تلاه تصفيق حار على كل الأحوال..حتى و ان كانت تلك الأشياء هي الكهرباء أو  الغاز أو حتى الماء.. تلك هي العبقرية الكامنة و الحكمة المستترة. يسير البشر في الطرقات متجهمين مكفهري الوجوه وقد انحنت أكتافُهم و كأنما نائت بأحمالٍ كالجبال. تهرب العيون من التلاقي و  لا تنفرج الشفاه إلا لتمتماتٍ غير مفهومة أو لأكثر الأقوال شيوعاً تلك الأيام: -حسبنا الله و نعم الوكيل.


عصراً... أدعو الولدين لاستذكار دروسهما فيجيبني صمت مطبق .. نحن مع الأسف من البيوت المنكوبة بتجربة  الثانوية التراكمية الجديدة. أرى طلاباً كانوا نماذجاً للتفوق و الإلتزام و قد أُصيبوا بكمٍ من اللامبالاة و الاستهتار لا حدود له! باتت وجوههم ملتصقة بشاشات هواتفهم الذكية ليلاً و نهاراً. و من حرمه ضيق اليد أو صرامة الأهل من تلك الآفة عوضته وزارة التربية و التعليم الغراء بجهاز لوحي يملأه بخدعةٍ ما بكافة مواقع التواصل الاجتماعي و أحدث الألعاب الألكترونية. و كلما حاولت الوزارة النابهة تطهير الأجهزة مما أصابها نجح النوابغ في ابتكار طرق لولبية جديدة لإستعادتها من جديد.. لايجرؤ أحد أيا كان أن يطالبهم بالاستذكار أو يذكرهم بالمستقبل الذي بات مجهولاً و مخيفاً بالنسبة لهم. و إن حاولت استخدام المنطق في الحوارمعهم يردونه إليك مهلهلاً مفسّخاً على حد تعبيرهم المشابه الدارج بالعامية القبيحة ماذا و كيف و لماذا و ما الجدوى.. الأسئلة من خارج الكوكب يحتار في أجوبتها المعلمون فما فائدة الكتب؟ امتحانات النصف الأول من العام تم تسريبها بمعدل تسريب لكل طالب. أما النصف الثاني فقد ذهبوا للإمتحان و انتظروه و لم يجيء, لم تتحمل المنصة البائسة الأعداد الكبيرة فتهاوت على أدمغتنا جميعا و عادوا هم إلى منازلهم ضاحكين في محاولة للبحث عن الامتحان بعيداً عن الزحام! ترك المعلمون نصف المقررات بلا شرح لعدم الجدوى أو انعدام الضمير..ثم يخرج عليك الوزير الهمام بعد كل ذلك معلنا نجاح المنظومة و محاربة الدروس الخصوصية التي ازدادت أضعافا! – حسبنا الله و نعم الوكيل


رواحاً... أحاول أن أخرج قليلاً من دائرة الطاقة السلبية التي تضيق حولي وتكاد تطبق على أنفاسي ..أُقلِّب في قنوات التلفاز فأجد غالبية الأفلام لا تكاد تخلو من الألفاظ أو المشاهد الخارجة  أو كلاهما معاً..  قنوات الأغاني تعج بما يسمى بأغاني المهرجانات التي تصيبني دوماً بالغثيان و الدوار كلما سمعتها.. أوصاف مبتذلة و تلميحاتٌ بذيئة و كلمات مجهولة المعنى بالنسبة لي.. أما البرامج الحوارية  فتجدها  بمفعول سحرٍ ما تناقش نفس الموضوع و تبدي نفس الآراء و تستخدم نفس العبارات و الصيغ .. تعرض جميعها نفس المشاهد للعرس الديمقراطي المسمى بالاستفتاء على التعديلات الدستورية..   طوابير تزينها علام مصر الصغيرة التي تهفهف في أيدي بشرٍ يبتسمون بملءِ فيهِم و يلوحون لآلات التصوير. بشرٌ سعداء و راضون عن الانجازات التي تحققت فأرادوا منها المزيد و المزيد.. بشرٌ غير هولاء  الذين أراهم كل يوم حولي في كل مكان. أغلق التلفاز و أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي لأجد عالماً موازياً! ميكروباصات يتم ايقافها قسراً و إجبار من فيها على التوجه للجان.. القبض على شاب وقف وحيداً على رصيفٍ ما يحمل لافتة كُتب عليها لا للتعديلات.. صناديق و كوبونات يتم توزيعهاعلى من يشارك في الاستفتاء.. رئيس واحدة من أعرق الجامعات المصرية يقف وسط الطلبة و ينهال عليهم بعروض تشبه عروض الهيبر ماركت في الأعياد..اعفاء من المصاريف المتبقية و هدية 5 درجات مئوية  لمن يدلي بصوته في الاستفتاء و "تحيا مصر 3 مرات و تصفيق حار كالمعتاد". أما عند اللجان فترى مشاهدا تنافس أقوى أفلام الفانتازيا و الكوميديا السوداء.. العروسان اللذان قررا تلبية نداء الوطن قبل نداء الفطرة.. من جاءت يحملها حصان و من جاءت تحمل قطة.. المكفوف الذي أبصر و القعيدة التي قامت. المحمول فوق نقالة الاسعاف و الجالسة على كرسي متحرك تحتضن انبوبة البوتاجاز (الأكسجين ) .أما وصلات الرقص فنقلة نوعية و حدثٌ فريد. سيدات في منتصف العمر أو أكثر يرقصن رقصاً هستيريا يصل حد خلع الملابس في احدى الحالات! يتركن العكاكيز جانبا و يرقصن بالعصى و الصاجات! سيدات و شباب يرقصن رقصاً أكثر شبهاً بحركات الشامبانزي و البونوبو مع الاعتذار للحيوانات.. يلي هذا كله وصلات الاتهامات المرسلة من كل جانب و المعارك المشتعلة بين المؤيد و المعارض التي تنتهي بالسباب و الاهانات. لا يقتصر ذلك على  السياسة فقط لكنه يطال كل جوانب الحياة.. مشجعو الأهلي و مشجعو الزمالك في دوري عقيمٍ بلا كرة و لا جمهور.. مؤيدو الرئيس الحالي و مؤيدو الرئيس السابق و مؤيدو الرئيس الأسبق و معارضو كل هولاء! الموافقون على نظام الثانوية الجديد و المعارضون له و الذين لا يفقهون ما الذي يجري حولهم من الأساس. من يرى أن مصر تتقدم للأمام و من يراها تقبع في قاع الكوكب و من يرى أن رئيس كوريا الشمالية قد تأخر في ضربنا بالسلاح النووي..رأسي يكاد ينفجر.. 
حسبنا الله و نعم الوكيل.


ليلاً... أرتمي على الفراش و قد أًنهكت تماماً.. كل ما أرجوه أن تتوقف الحرب الدائرة داخل رأسي كي أستطيع النوم..أفتح الكتاب الملقى على المنضدة المجاورة للسرير ثم أعيده حيث كان. أفكر في الاتصال بصديقة ما فلا أجد القدرة و لا الرغبة في الكلام.. أسرح في مشاهدٍ بعينيها في اليوم الذي يتكرر كل يوم..الرقص الهستيري و الرجال الذين يرفعون أيديهم الغارقة في الحبر الفسفوري في وجه الجميع ويبتسمون ابتسامة النصر و كأنهم قد ذبحوا القاضي للتو!أتسائل عن سبب تلك الأفعال المبالغ فيها؟ لا تكفي الأموال أو الصناديق أو حتى القناعات التامة لأن تكون أسبابا مقنعة .. انها الشماتة! الشماتة فيمن قاموا بثورة تم تشويها و القضاء على جميع انجازاتها و كان هذا هو آخر الانجازات.. شماتة البعض في البعض الآخر الذي شمت فيهم من قبل أو هكذا صور الإعلام للطرفين.. انقسم الوطن نصفين كل نصف يرى أنه على صواب مطلق و أن النصف الآخر على خطأ مطلق.. كل منهما يفرح لمصائب الآخر و يحزن لأفراحه و يهدد و يندد و يحذر الأجيال القادمة من عواقب المصالحة أو نسيان ما كان.
 حسبنا الله و نعم الوكيل.
يعود زوجي متأخراً و يرتمي على الفراش و قد أُنهك تماماً.. يحدثني للمرة المليون عن صحة قرار الهجرة و أجادله للمرة المليون بقناعاتٍ ما عدت أؤمن بها.. أجادله لا عن انتماء للوطن و لا لأملٍ في غد يختلف عن سابقيه و لا بمبدأ " و لا اللي جوة مرتاح و لا اللي برة مرتاح". فقط أجادله لأنه ما عادت لدي الطاقة و لا الرغبة في أن أبدأ من الصفر في مكان جديد حتى و إن كنت على يقين أنني أقبع هنا تحت الصفر! يرهقنا الجدال فنتوقف, نتصفح مواقع التواصل و نتبادل الصور و النكات التي يطلقها الناس على واقع الحال ونضحك.. نقرأ التعليقات الساخرة اللاذعة و نضحك أكثر.. نضحك حد الانهاك فنتوقف. و حين أطفئ الأنوار و أغمض عيني لأنام يتحول الضحك إلى بكاء!

No comments: