Tuesday 28 April 2009

رحيل




حين يصير الإفتفاد فقداُ..و الغياب رحيلاً..و اللقاء مستحيلاً..حين تصير الذكرى هي كل ما نملك..و يصبح أن نتمسك بها هو كل ما نستطيع حتى و إن باتت ألما خالصاً..فلحظات الفرح ولت و لن تعود..و لحظات الحزن تملأ القلب شجناً على أشياء لم نقلها و ندماً على أشياء كان من الممكن أن نفعلها..هو الموت بكل ما فيه من قسوة باطنها الرحمة..و ذهاب آخره العودة.. و فناء من أجل خلود..و نهاية من أجل بداية لن يراها الا من انتهى!

أكره بشدة رنين الهاتف في الساعات الأخيرة من الليل و الأولى من النهار..فهي تعني حتماً سماع خبر غير سار و بالرغم من توقعك لذلك فدائماً ما يصدمك الخبر و يجعلك تعتقد أو تريد أن تعتقد أنك ما زلت نائماً و أن حلمك قد انقلب كابوساً بطريقة ما..فتغمض عينيك للانتهاء منه والاستيقاظ أخيراً..ثم تفتحهما محدقاً في سقف الغرفة..و السؤال يدور من حولك فيدير رأسك..ماتت؟؟ معقول؟؟..دي كانت كويسة و ما فيهاش حاجة! وكأن الموت لا يقدر الا على الضعفاء!يعني مش حشوفها تاني؟مش ححضنها تاني؟؟ و كأن هذه الأشياء قد أصبحت فجأةً أهم الأشياء في حياتك..ثم تهاجمك الذكريات-غالباً السعيدة-صوت ضحكتها..شكل وجهها و هي تبتسم..كلامها..و تنحدر أولى دموعك اعترافاً و هزيمة..ًثم الثانية و الثالثة افتقاداً و فقداً..ثم الرابعة و الخامسة حسرة ولوعةً..و يصبح كل ما تريده الآن هو أن تراها للمرة الأخيرة..لتخبرها بأشياء كثيرة لم تجد الوقت الكافي لتخبرها بها!!!!

تخطو داخل احجرتها.. فيعاودك عدم التصديق من جديد..تنظر للجسد المغطى لآخر ذرة و يراودك الوهم أنه يرتفع و يهبط في محاولة للتنفس..تقترب أكثر رغبةً ً في قبلة أخيرة فوق الجبين..ترفع الغطاء و تقترب بشفتيك فتصدمك البرودة الغير متوقعة لوجه كان ينبض دفئاً بالأمس فقط و تنسى كل ما أردت قوله ..يقترب أحدهم منك واضعاً كفاً مواسياً فوق كتفك..متمتماً بكلمات عن الصبر وقضاء الله فتكون تلك هي القشة التي كنت تنتظرها لتعلن انقسام ظهرك و انكسارك..فتنفجر باكياً و نائحاً و منتحبا..

مياه ساخنة و ثوب أبيض و بخور و مسك و كافور و كأنه عرس و ميلاد و فرحة! كلمات و وعود عن لقاء من هو أحن على المرء من أمه و أبيه..وجوه و أصوات و كلمات تتداخل..و جسد أحاطه البياض بطبقتين فأضائه وأناره ثم غطاه كله بطبقة أخيرة فأظلمه و حجبه عن عينيك إلى الأبد!

البيت..التي دخلته ترتدي البياض محمولة على ذراع زوجها- تغادره اليوم وهي ترتدي البياض محمولة على كتفه..كم ستفتقدك جدرانه و جيرانه..كم سيفتقدك هواءه و ذرات غباره

الله أكبر..نصف التشهد الأول ..دمعة تنحدر من عينيك.. الله أكبر..نصف التشهد الثاني.. قبضة تعتصر قلبك..لقد اقترب الفراق..الله أكبر..الدعاء للميت..شهقات متتالية "اللهم ثبتها عند السؤال..اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة....شهقات من حولك تعلو.."اللهم نقها من خطاياها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس..اللهم اغسلها بالماء و البرد و الثلج" الله أكبر.. الدعاء لنفسك..ثلاث كلمات تتكرر ما بين بكاء متواصل.."الصبر يا رب"....السلام عليكم و رحمة الله و بركاته..مع السلامة يا أغلى الناس.. حتوحشيني..السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


إلى روح عمتي الغالية يرحمها الله

الفاتحة

4 comments:

شيماء جمال(شيمو القمر) said...

السلام عليكم
ربنا يصبرك ويصبر كل من فارقه عزيز
إنا لله وإنا إليه راجعون
اللهم ارحم موتانا جميعا هم السابقون ونحن اللاحقون
هى الآن فى مكان أحسن مما نحن به

بجد وصفك للموت ولما حدث جميل جدا وموجع جدا فكرتينى اليوم اللى مات فيه عمى جالى الخبر بالتليفون برده من ساعاتها مش بحب تليفونا الصبح ده

تحياتى
شيمو القمر

dahlia.. said...

شيمو القمر
آمين يا شيماء..و ربنا يرحم عمك و كل أموات المسلمين..و أشكرك من قلبي على مرورك و تعليقك و دعواتك

blue-wave said...

ربنا يرحمها ويرحم موتى المسلمين جميعا

dahlia.. said...

blue-wave
آمين.. و شكرا لكلماتك و مرورك