يلتقي الغرباء بالغرباء ..تغلق عليهم الأبواب فيصبح ذلك الحيز الضيق بيتك الذي تقتلك الغربة فيه بعد أن حال بينك و بين بيتك و أحبابك مسافات شاسعة و أسوارعالية و أسلاك شائكة و مزاليج بأقفالٍ صدئة.
يلتقي الموجوعون بالموجوعين فيتقاسمون كل شيء و
يمنحون كل شيء..فتتعلم مع الأيام أن وجعك جزء من كل لا يصح أبدا أن تبالغ فيه.. أن
لا شيء ينتهي على ما يرام في واقع كالذي تحياه و لكن يكفيك ان ينتهي.. تدرك أنه و
إن انتهى فالغصة في الحلق لا تتوقف بل تتواصل.. أنك لن تتخلص من الذعرالذي ينتابك
في أوقاتٍ بعينها بل سيتحول بداخلك إلى خوفٍ مقيم...
.. يلتقي الحالمون بالحالمين..فتكتشف
ضبابية الأحلام و ووضوح الواقع..بهتان المجرد و المطلق ودقة المجسد وصدق
الحواس..تسقط الحياة ما فيك من رومانسية الحالمين و تمرغ أنفك في تراب الحقيقة
شديدة القسوة..تتعلم أن العمائر ليست وحدها ما يسقطها الزمن.. أن البشر أيضا
قابلين للسقوط.. و إن كان سقوط العمائر خاطفٌ و مدوٍ فإن سقوط البشر بطيء و صامت.
في السجن و إن ضاقت
جدرانه عليك متسعٌ لتأمل مفردات العمر المبعثرة في زحمة الحياة لأن النهارات و
الليالي تأخذ وقتها كاملا غير منقوص..لكل ساعة حيزٌ تقطعه في أناه لا تزاحمها عليه
الساعة التالية. الليل هنا لا يشبه سواه فهو ليل بلا سماء و لا نجوم و لا قمر..ليل
طويل لا ينجلي و أيام تطبق على صدرك كضمة القبر..تستبيحك الأسئلة و تسخر منك
الإجابات..الصواب الذي لم تهتدي إليه في حينه و الخطأ الذي ارتكبته و حسبته
صواباً..خياراتك الصحيحة و مسالكك الخاطئة و خساراتك المتكررة التي تصفعك دائما..
في السجن تفقد الأيام قيمتها فتصبح مجرد أرقام تمر عليها و تمر عليك لتوصلك إلى لحظة الانعتاق..فواجعنا و مواجعنا تتكرر..تفقد التواريخ الخاصة مغزاها و المشاعر المصاحبة لها و ما تستدعيه من ذكريات.. تتمزق رزنامة الخصوصية و تتعطل و تصاب بتراكم الأوجاع طبقة فوق طبقة.. و ذات صباح حين يحين الوقت أخيراً و يفتح لك الباب تلملم ما تبقى منك على عجل و تودع غرباءاً ما عادو غرباء.. تاركا معهم جزءا غاليا منك لن تستطيع استعادته لأنك تركته هناك,, تمضي لتعود لأحبابك الذين غابوا لأقصى درجات الغياب. لكن عودتك لا تشبه ذهابك..ذهبت بشكل مباغت و في لمح البصر و لكنك حين تعود تعود في بطء شديد و على كتفيك أحمالا تنوء
بحملها.. تعود لتجد أن
العالم قد رتب نفسه بدونك في غيبتك الطويلة.. لا تدري ماذا يفعل العائد
بالمستعاد..و ماذا يفعل المستعاد بالعائد.
No comments:
Post a Comment