Tuesday, 21 July 2009

لأعلى



أمضي في طريق خافت الإضاءة ..تسير بجواري والدتي..نتحدث عن أشياء لاأذكرها..تتركني و تتجه يمينا وتختفي..
أقف وحدي في منتصف الطريق و حولي أصوات متداخلة لأشخاص يتحدثون همساًو يضحكون..
أشعر بتعب فأجلس على مقعد لاأدري من أين جاء ليستقر في وسط الطريق..
أشرد بأفكاري قليلاً أو ربما كثيراً لأفيق على يد فوق كتفي الأيسر لا تهزني و لا تحاول أن تعيدني من أفكاري البعيدة
إنما تبقى هادئة و كأنها فقط وجدتني ثم راحت تنتظر أن أعود وحدي من حيث كنت..
أرفع بصري ببطء لأنظر لليد ذي التجاعيد الرقيقة و العروق الزرقاء الشاحبة..
أرفعه أكثر لأنظر لوجه صاحبة اليد..جدتي تنظر إلي بحنان ينير وجهها الابتسامة و الرضا..
صامتة لا تقول شيئاً و يدها لا تغادر مكانها..تتسارع دقات قلبي ..نبقى هكذا قليلاً أو ربما كثيراً..يدها و ابتسامتها لا يتحركان..
أقوم أخيراً من مكاني و أسير بجوارها..الخوف و الأسئلة يعصفان بي..دقات قلبي تتسارع أكثر و أكثر ..
خلى الطريق من كل من فيه..تلاشت الأضواء الخافتة .. خفتت الأصوات جميعاً فما عاد يسمع سوى رجع الصمت..
نتوقف..أنظر لأعلى..أرى طائراً قد طغى سواده على لون السماء الذي غاب عنها القمر فبات من الممكن رؤيته..
رفرف بجناحيه الكبيرين..أنظر اليهما في هيبة لأكتشف تحتهما طائرين صغيرين يحاولان اللحاق به..
يرتفعوا معاً لأعلى فأحاول جاهدة أن أتابعهم في تلك الظلمة الحالكة التي تحيط بكل شيء..
تضيء نجمة..ثم نجمتين..ثم ثلاثة..
ثم تحيط النجوم بالموكب الصاعد لأعلى..و هالة من ضوء حولهم.. تزداد اتساعاً كلما ازدادوا ارتفاعًا
تهدأ دقات قلبي ..يتضاءل الخوف و تزول الهيبة و تتبخر الأسئلة..
أنظر حولي فلا أجد جدتي -رحمها الله- و لا أجدني!
تمت

Tuesday, 7 July 2009

قهوة صباحية


أجلس أمام قهوتي الصباحية ..أبخرتها الساخنة تتصاعد أمام عيني فتضبب رؤيتي و تجعلني أرى الأشياء و كأني داخل حلم!أحاول جاهدة الذهاب بأفكاري بعيداً عن مشاكلي التي لا تنتهي و خوفي الذي لا يتوقف و الذي يكاد حقاً أن يبتلعني!أحدق في سطح السائل البني الذي تتجمع فوقه الأبخرة و كأنها تفضل البقاء هناك إلي الأبد..ثم تبدأ مضطرة رحلتها الحتمية في الدوران و التصاعد و الذوبان في أرجاء الهواء و المكان معبقة اياهما بالرائحة التي تحمل معها ألف ذكرى


صباحات بعيدة تملأها برودة محببة و رائحة القهوة تعبق الطريق شبه الخالي-المؤدي إلى مدرستي- فتجذبني دون أن أشعر لداخل المكان الخاوية طاولته لتذوق ذلك السائل المحرم بحكم السن و العادة البائدة بأن القهوة فقط للكبار وللرجال!أرشف أولى قطراتها التي تملأفمي مرارة لم أستطع تحملها وقتها.. فأعترف سراً لنفسي أن أمي-كما هي دائماً- على حق في تحذيراتها لي من القهوة و الرجال..و أهم أن أغادر الا أن شيئاً ما يدعوني بإلحاح لتذوق رشفة واحدة أخرى ..إغواء خالص من دفء و غموض لا يمكن مقاومته..يملأ السائل الساخن فمي و قد استسغت مرارته ,لأبدأ رحلة اكتشاف ملمس الذرات الخشنة على طرف لساني تداعبه قليلاً ثم تذوب تماماً تاركة خلفها احساس وقتي بالدفء و رغبة متنامية في الشعور به مجددا بعد ذهابه ..و يستمر الإغواء بطيئاً حتى أخر قطرة في الفنجان..لأكتشف عندها أن ليس كل ما تقوله أمي صحيحاً و لتصبح بعدها عادة صباحية دائمة!
صباحات أقل بعداً و أقسى برودة بالرغم من كونها صباحات منزلية.. صداع لا أستطيع العيش معه الا بعد فنجان القهوة المسروق -كالعادة- لأن القهوة في اعتقاد الرجال لا تليق بالنساء! و الأسوأبالطبعً ان كانت خالية تماماً من أي ذرة سكر..فناجين القهوة المرة على مدار اليوم كانت تخفف من ثقله و تساعد على مروره بالرغم من أنها لم تكن تستطيع أن تطغى على مرارته


صباحات دافئة تملأها الشمس بوعود بإكتشاف البهجة و الفرح المخبأ في الزوايا و خلف الستائر الملونة .. فيبدو من الطبيعي أن تكون القهوة زائدة الحلاوة وفائقة الدلال فتكتسب طعم الفانيليا حيناً و طعم البندق أحياناً..و يصبح لكل صباح قهوته الخاصة و التي تعد بلون بقية اليوم و طعمه

أجلس صامتة أمام قهوتي الصباحية و قد غاب عنها بخارها و بقى دفئها..أقربها ببطء من فمي..أرتشف رائحتها المميزة بأنفي ثم أتذوقها أخيراً و قد ملأتني فكرة واحدة..ترى كيف ستبدو قهوة الغد؟