Wednesday 4 February 2009

انتظار


لا أحد يعرف ما يعنيه الانتظار الا من عاناه...
حين تتشبت عيناك بعقارب الساعة تلعنها و تستجديها..حين تقبض يدك بقوة على خوائها في انتظار يد دافئة أو حلم قادم حتى و ان انسل من بين أصابعك بعد قليل! حين يرهق أذنك ارهاف السمع و يرهقها أكثر اللاسمع..حين تسابق دقات قلبك دقات الساعة الرتيبة و كأنها تستطيع أن تسبقها اليه.. فتتسارع أنفاسك تضامنا, و يدق كل شيء في جسدك انتظارا!ينتابك غضب ساخن ينمو في فراغاتك فيملئها و يملئك . تثور و تتوعد و تقسم أن لن تنتظر أبدا بعد اليوم.ثم تتضاءل و تصغر لتغدو طفلا لا يملك سوى التشبت بما يريد و كأن لا وجود لغيره , و كأنه غاية منتهاك أو منتهى غايتك؟!و حين تطول ساعات الانتظار و تتمدد يلفك ذلك التسامح الأحمق.. لا لوم و لا عتب على الغياب ولا أسباب مقنعة لحدوثه..فقط أن يأتي..أن يأتي متأخرا خير ألف مرة من أن لا يأتي أبدا!!
و اذا كان انتظار الساعات نار حارقة..ففي إنتظار الأيام يغرق الثلج كل شيء! يخبو تحرق الساعات و تحركها في جمود الأيام و تشابهها..و الأيام المتشابهة لا تحسب الا يوم واحد طويل لا ينتهي,لأنه يضعك وجه لوجه أمام يديك العاجزتين عن تغيير أي شيء في الصورة التي لم تعد تحتملها..عن منح أي لون لتلك الصورة التي راحت تفقد ألوانها و بهاءها ..لتسقط في لون الرماد! فتتلون كل تفاصيل حياتك به و تشعر بمرارة طعمه بين شفتيك فيغدو لاطعم و لا لون لأي شيء..و يصبح "أن يأتي أو ان لا يأتي" سواء..حتى انك - في بعض الأحيان-قد تنسى أنك تنتظر وحين تكبر الأيام شهورا..يصبح انتظارك موت بطيء..تذوي حواسك الواحدة تلو الأخرى, فحين يطول الانتظار يضيع المعنى و يصبح من الصعب تذكر ما جعلنا ننتظر كل هذا الوقت و إن كان حقا يستحق الانتظار! و لكنك تستمر في الانتظار على أية حال رغم مرور الساعات و الأيام و الشهور و الأعوام, لأن الانتظار بات حياتك ..وبات جزءا أصيلا منك تماما كعينيك التي ما عادت تنظر للساعة و كأذنك التي أغلقت أبوابها عن السمع و كقلبك الذي تباطئت دقاته فباتت أكثر رتابة من الساعات و الأيام و الزمن و كعقلك الذي ما زال بالرغم من كل شيء يرسل اشاراته الحمقاء لك بأنك ما زلت تنتظر!!

ما زلت أنتظر مع المنتظرين في ساحة انتظار لا تخلو أبدا !الكل حولي ينتظر شيئا ما و لا يجرؤ أحد أن يسأل الآخر عما ينتظر,ربما لأن لكل منهم سره الخاص,أو ربما لأنهم ما عادوا يذكرون ماذا ينتظرون..أو ربما لأنهم- مثلي- ينتظرون ما لا يجيء!!

No comments: