Sunday, 16 September 2018

حكايةٌ و ما فيها







..في البدءِ 
حيث العدمُ و اللا شيء.. حيث لا حياة ُو لا موت..لا زمانُ و لا مكان .. لا قديمٌ و لا جديد.. لا صوتٌ و لا صدى.. لا  ذكرى و لا ذاكرة.. لا شيءٌ و لا أحدٌ سواه..وحده  جلّ في علاه
 خلق القلم..أٌمره أن يكتبَ فكتب..كتبَ أقدارَ كلِ شيء.. صغُر أو كبُر... طالَ أو قصُر..بعُدَ أو قرُب..كان ذا شأنٍ أو لم يكن.. فكنا نحن نقطةً لا تُرى في اللوحِ المحفوظ

..ثم
في ظلامٍ داخل ظلامٍ داخل ظلام..نُفخت فينا الروح  فدبت فينا الحياة و كُتبت تفاصيلُ الحكاية..كُتبت الأقدارُ و الأعمار..الأفراح والأتراح..اللقاءُ و الفراق..البداية و النهاية

لكل أمرٍ تحت السماوات وقتٌ معلوم...  يُفتحُ لك البابُ فتخرج وحدك من الظلام إلى النور..من الحيزِ الضيقِ الذي كان يسعك بالكاد إلى فضاءٍ تظنه  رحباً لا حدود له, فتتتنفس ملء الصدر و تضحك ملء القلب و تحلم ملء الكون.. تفتح ذراعيك على اتساعهما لتعانق الحياة و تحتفي بها ... تراها بسيطة  لمنتهى الجمال فتُقبل عليها و تحبها غاية الحب..ثم  تريك وجهاً آخر من وجوهها المتعددة..فتجدها معقدة لمنتهى القبح و تكرهها غاية الكره... تظل تتقلب بين أضدادها حتى تعتادها و تقنع بأن تكون في الوسط بين كل الأشياء .. تظل تريك وجوهها  حتى تعرفها حق معرفتها فلا تكرهها و لا تحبها..تتعلم أن لكل شعورٍ ضده  و تختبره ..و لكل شىء ثمنه و تدفعه...تصبح أكثر حذراً و أقل اندفاعاً..تراقب خطواتك و ما حولك عن كثب فتكتشف أن الفضاء الرحب لم يكن أصلاً لك.. و أنك في الحقيقة تمضي في طريقٍ محدودٍ محدد من بدايته لنهايته..يغمره الضوء أو يشح فيه على حسب الظروف و الأحوال..تركض في أوله و تسابق الأيام لتسبقها و تتخطاها..تركض  حد التعب و الانهاك فتتمهل لتلتقط الأنفاس..لا تدع  لك الأيام الفرصة أو الوقت للتوقف أو العودة إلى الوراء..تقودك خلفها  فتنقاد..يسلمك اليوم إلى الآخر فتستسلم..تسحبك ببطء و حذر و تقرض خيوط عمرك بإصرار سواءٌ شعرت بذلك أو لم تشعر.. تثقلك التساؤلات و يرهقك المسير.. ما الجدوى و ما الغاية؟ هل بإمكاننا أن نحيد عن الطريق المرسوم؟ هل بإمكاننا أن نتجنب الألم؟ هل نستطيع أن نتعلًم الدروس دون أن نمر بالصعب الذي يُحكى و الأصعب الذي يستعصي على الحكي؟  هل يحمل القلبُ في طياته الأجوبة؟ و إن كان كذلك فهل من طريقة تمكننا من أن نشق الصدر و نغسل القلب مما شابه  في الطريق ..فيصفو و ينجلي كما المرآة لنرى فيه المعنى و الهدف و المغزى من وراء الحكاية؟

حكاياتُنا مكتوبةٌ من قبل مجيئنا.. لن نستطيع أن نتخطى صفحةً واحدةً من صفحاتها..علينا أن نقرأَ كل سطرٍ و كل كلمةٍ و كل حرف..نتوقف عند كل نقطةٍ و نلتقط الأنفاس قبل بدايةِ كل فصل... نلتقي بكل شخصٍ قُدر لنا أن نلقاه و نتذوق لذة البدايات و حلاوتها.. و نفارق كل  من كُتب علينا فراقه و نتجرع قسوة النهايات و مرارتها.. المؤكد أننا لن نستمتع بكل تفاصيل الحكاية..بعض الصفحات ستؤلمنا أكثر من غيرها و تجعلنا نبكي طويلاً و بعضها سوف يعلمنا كيف نتجاوز الألم و نتخطى البكاء و نبتسم -بحذرٍ-من جديد..سنقرأ أشياءاً نتمنى لو لم تُكتب أو أننا لم نقرأها.. و سنمر بصفحاتٍ نتمنى أن لا تنتهي و نأبى أن نطويها. و لكننا نواصل لأننا في كل الأحوال علينا أن نقرأَ حتى النهاية .. .. تنطوي الصفحات و تنتهي الحكاية.. تنتهي و قد استنفذت طاقتك و قدرتك على الاستمرارٍ فيها..يُفتح لك الباب فتخرج منها دون أن يشق عليك ذلك أو أن يعِزَِ عليك الرحيل.. تخرج منها  وحدك كما دخلتها وحدك
تختلف الحكايات و تتفاوت ..تضمحل و تتلاشى..و تظل العبر و الدروس باقية
  بين البدايات و النهايات هالاتٌ من نورٍ و بقعٌ من ظلالٍ و ظلام.. بين الفشل و النجاح محاولاتٌ مضنية  و خيباتٌ متتالية و اصرارٌ و مثابرةٌ و عزم.. بين الأوهام و الحقيقة سرابٌ لا يروي الظمأ  أبداً بل يزيده حدة مهما بدا واعداً مترقرقاً أمام الأعين .. بين القلوب و ساكنيها خيوط واهية من حرير.. ينسجها الصبر و الثقة و الاهتمام و يمزقها البعد والقسوة و اللامبالاة.. بين الشباب و الهرم طريقٌ طويلٌ أوله دهشة و  منتصفه اعتياد و آخره ملل.. بين التعب و الراحة مسافاتٌ ممتدة من الرفض و الاستنكار ثم الاذعان و التقبل ثم الرضا بما قُدِر و كُتِب ..