Thursday, 15 March 2018

و يبقى الأثر







بسم الله الرحمن الرحيم
إنا لله وإنا إليه راجعون
حبيبي الغالي مضى اسبوع يا حبيبي على رحيلك
مضى اسبوع يا حبيبي على الفراق
مضى اسبوع يا غالي وانت بعيد عني 
مضى اسبوع  وشريط حياتك كله يمر أمامي ليلا ونهار
مضى اسبوع يا قلبي وأنا أسمع وأقرأ كل ما يُكتب عنك من أصدقائك واخوانك وأحبابك
مضى اسبوع  وكل الناس تدعو لك الغريب قبل القريب
والحمد لله راضين بقضاء الله وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الحمد لله راضين بقضاء الله ومؤمنين بأنك في الأفضل والأحسن وكيف لا وأنت بجوار الرحمن الرحيم
وكيف لا وأنت الذي طلبت من الله سبحانه وتعالى أن يرحمك والله سميع وعليم بك
فرحمك يا حبيبي من آلام مرضك التي كنت بها صابراً
ورحمك يا حبيبي من آلام الدنيا التي كنت لها مكافحاً
ورحمك يا حبيبي بزوجة مخلصة أصيلة حنونة كانت لك سنداً بكل معنى الحب والحنان والعطاء
ورحمك يا حبيبي بعدد المصلين الذين صلوا عليك
ورحمك يا حبيبي بعدد أحبائك الذين دعوا لك
ورحمك ياحبيبي بأصدقائك المخلصين الذين لم نجد لهم مثيل
رحمك وسيرحمك ان شاء الله دائما برضا والديك وإخوتك وزوجتك عليك
رحمك يا حبيبي بصلة الرحم الجميلة العطرة مع  كل الأهل
رحمك ورحمني ياحبيبي وربط على قلبي بأصدقائي وبناتي الذين أعانوني على الصبر والثبات وكانوا يدعون لك بظهر الغيب
فهنيئاً لك يا قلبي مكانك الذي أنت فيه والذي أدعوا ربي ليلاً ونهاراً أن يكون روضة من رياض الجنة بإذن الله تعالى
وأدعوا ربي الرحمن الرحيم أن تكون مِن الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولٰئك رفيقاً
اللهم آمين
وإلي لقاء قريب إن شاء الله

أمك  المحبة دائما



بعض الخطوب تكون أقسى من غيرها..تملأنا جزعا و حزنا و ألما.. و لكنها تعلمنا دروسا قد لا ننساها ما دام في العمر بقية.
تعلمنا أن الذكرى الطيبة تبقى..و أن الابتسامة تترك أثرها الذي لا يزول في القلوب حتى بعد أن تفترق الوجوه ..أن الضحكات النابعة من القلب تميز بشرا بعينهم عن غيرهم فيظلوا حاضرين دائما مع صدى ضحكاتهم حتى بعد رحيلهم. . أن الحب هو المغزى الحقيقي لرحلتنا على الأرض و أن الحكماء هم من أحاطوا أنفسهم به عطاءا و أخذا.. أن العمل الصالح يمكث في الأرض حتى بعد أن نصير بعضا من ترابها..و أن ما دون ذلك زبد يذهب جفاء.
تعلمنا أن الابن نعمة..و الأهل نعمة..و الزوج المحب نعمة..و الصديق الصالح نعمة و أن الرضا نعمة..و أن ابتلاء "الشكر " على النعم أيسر ألف ألف مرة من ابتلاء "الصبر" على المحن...فلك الحمد و الشكر يا الله حتى ترضى.
تعلمنا أن اللقاء بموعد و الفراق بموعد..و بينهما زمن لا يعرف مقداره سوى من قدر الأقدار. . فلا تأمنوا للزمن..و أخبروا الأحبة كل يوم انكم تحبونهم..و اطلبوا السماح ممن قست قلوبكم عليهم ..قربوا المسافات و قبلوا الأبناء و الأباء و الامهات و احتضنوا كل عزيز و غال لأن الحسرة على ضياع الفرص تسقط حجرا في القلب و تترك غصة في الحلق لا يزولان.
تعلمنا أن الطيبين لا يبقون طويلا.. لأن الله قد أعد لهم ما يليق بطيبتهم..و أن الأثر الذي نتركه في حياة الأخرين لا علاقة له بطول الوقت أو قصره.. أن النهايات هي الأهم و هي التي يعول عليها..لأن نهاياتنا في هذه الحياة تشبه كثيرا بداياتنا في حياة أخرى خير و أبقى من تلك ..فأحسن اللهم خاتمتنا يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لهشام و ارحمه و ارفعه عندك درجات.. و اربط على قلب أهله و ضمد جرحهم و اجبر كسرهم يا رب العالمين.

Saturday, 10 March 2018

و يبقى الأثر




شيببتنا الدنيا قبل أواننا فصرنا نواري شبابنا التراب.. علمتنا الدنيا حكماً لا يدركها سوى من قارب على نهاية الرحلة .. فتعلمنا أن وجود المحب في حياة المحبوب نعمة تستحق الثناء و أن لا  يكون ذلك الوجود أبدا من المسلمات.. فتذكرنا أن نخبر الأحباء كل يوم أنَا نحبهم قبل أن تأخذهم أقدارهم منا دون رجعة.. أخبرنا الشيوخ أنهم أقرب منا للمرض و للموت إلا أن الحياة علمتنا أن كلنا راحلون ..قصر الوقت أم طال.. و سيبقى الأثر

عرفت هشام - رحمه الله- منذ 10 أعوام قبل أن أراه.. عرفته من حكايات والدته عنه هو و أخويه بارك الله لها فيهما..
عرفته لأنها كانت تكثر الحديث عنه لكثرة مواقفه الضاحكة.
عرفته ضحوكا حنونا على الاطفال و الحيوانات الاليفة..مربيا لها باستمرار في منزلهم.. اذكر منها العصافير (التي لم يكونوا يستطيعون النوم من صوتها و كان يدخلها إلى حجرته في الشتاء خوفاً عليها من البرد و المطر ..و العصفور الذي أحبه أكثر من غيره فتركه طليقا خارج القفص بعد أن احكم اغلاق النوافذ ) و السحلية و السنجاب و الببغاء( الذي اشتراه صغيرا لا يعرف الكلام و حاول طويلا ان يعلمه الكلام دون جدوى  )و الثعبان الذي ذهبت والدته يوما لتطعمه فلم تجده!! و بحثت في كل مكان في البيت عنه دون جدوى  )
عرفته طاهيا مبتكرا.. يضيف لمساته الخاصة على الطعام، ويعد اطعمة غريبة كنت احرص دائما على معرفة وصفاتها.. فتخبرني والدته ضاحكة " والله ما اعرف يا بنتي عملها ازاي ".
عرفته محبا لوالديه بارا بهما.. اخا و صديقا لأخوته و اصدقاءه.. صموتا قليل الشكوى ان لم يكن عديمها.
ثم التقيته شخصيا عدة مرات و ما علق بذاكرتي دائما هي ابتسامته التي لا تغيب عن وجهه.
عرفته في مرضه صبورا حمولا راضيا بقضاء الله محبا للحياة مقبلا عليها.
عرفته محبوبا من المئات بل ربما الآلاف بعد وفاته ..رأيت المئات يصلون في جنازته و لا يسعهم الحزن و لا المكان.. يشهقون و ينتحبون في صمت قدر الإمكان و لا يستطيعون كتم البكاء وقت الدعاء للميت الذي طال و مع ذلك لم يكف الأدعية التى امتلئت بها الصدور...ثم سخر الله له صديقا مخلصا  ادمى القلوب و أبكى العيون بدعائه الصادق على قبره.. شابا في مقتبل العمر يدعو لمثله و يؤمن خلفه الشيوخ و العجائز و أمثاله من الشباب .. رأيت عشرات الوجوه تبكي في صدق و تحتضن والديه بشدة.. رأيت جميع الأعمار و الأطياف بجنازته و عزائه...
عرفت للمرة الأولى معنى حسن الخاتمة -بإذن الله- التي لا يهبها الله الا لمن أحبهم و اصطفاهم..فطهرك و رفعك درجات بمرضك و صبرك عليه..ثم ألان لك قلوبا لم تعرفك فترحمت عليك بظاهر الغيب و سخر لك من يدعو و يستغفر لك و يخرج الصدقات و يعتمر باسمك... فهنيئا لك يا هشام بإذن 

الله.

عرفت والدته اعواما طويلة ..عرفتها حامدة ذاكرة لله صابرة على المحن و الابتلائات..لم أسمع منها أبدا سوى " الحمد لله".. في مرضها و في محنة الابن الأكبر و مرض الابن الأوسط و مرض الزوج ثم فراق فلذة الكبد و أعز الأحباب ..كل هذا لم يزدها إلا حمدا!
أشهد الله اني احبها و احب هؤلاء الناس في الله و أتمنى عليه أن يرفعني لدرجاتهم في الجنة ويشفع لي بحبي لهم...حين تزول الأرض و السماء و  
تنتهي الدنيا بكل شقائها  و زيفها..و لا يبقى سوى وجهه الكريم.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ 

نسألكم الفاتحة و الدعاء لروح 
د/ هشام عاطف شاهين