جلست أمام حاسوبها الشخصي و فتحت ملف الموسيقى..ترددت قليلا امام "كونشرتو ارانخويز" بجيتاره القادر على استحضار الذكريات البعيدة المنسية..ثم اختارت موسيقي " المولوية"..انبعث أنين الناي الشبيه لحد كبير بأنين إنسانٍ وحيد. حنيناً إلى مكانه القديم في عالم الأزل..فتحت صفحة "وردز"في محاولة منها لممارسة فعل
الكتابة الذي تفتقده..بدأت السرد بضميرٍ للمتكلم ثم عادت و مسحته... استبدلته بضميرٍ
للغائب فغابت معه الكلمات التي ظنّت انها مخبأة في مكان ما بداخلها في انتظار الخروج
للنور..أغلقت الحاسوب و فتحت كتاباً لتقرأه..
"مع الزمن..يتحول الألمُ إلى حزن..و يتحول الحزنُ إلى صمت.. و يتحول الصمتُ إلى وحدةٍ شاسعةٍ كالمحيطات المظلمة.."
قرأت الجملة الأخيرة بصوتٍ مسموع..ثم قرأتها ثانيةً.. تعيد اكتشاف الكلمات..تتوقف عند المسافات بين الحال و الحال, و كأنها تعطي للزمن زمناً كافيًا تعرف أنه يمتلكه بالفعل..لم تستطع مواصلة القراءة..فوقع الكلمات سقط حجرًا ثقيلًا في المساقة ما بين القلب و الرئتين..و صداها راح
يتردد في الحجرة الصامتة لزمنٍ طويل!
راحت تقلب في الفضائيات بحثاً عن فيلمٍ قديم
لم تفسده الألوان..ابتسمت حين وجدت مسلسل "الشهد و الدموع" على احدى
القنوات المجهولة..هذا أفضل! فقد ضمنت ساعة من المتعة اليومية لأسابيع قادمة..تاهت
في التفاصيل الصغيرة كعادتها..الملابس و الشوارع و لغة الحوار و أخلاق بشرٍ بقت حيث كانت.. شعرت بحنين غريب لزمنٍ لم تعشه!
قادت سيارتها في زحامٍ لا ينتهي..تزعجها –مؤخرا-
الأضواء الحمراء بشدة..أزاحت عينيها عن الطريق ناحية اليسار فرأت لافتاتٍ و صورًا للسيسي وقد ألقى الشباب على بعضها طلاءًا أحمر انساب حول فمه لزجًا قبل أن يجف.. فبدا كمصاصٍ للدماء....أشاحت بوجهها
ناحية اليمين ..ففوجئت أنها تسير بمحازاة البحر! كيف لم تسمع أمواجه و هي تناديها
كما اعتادت؟! ربما الضوضاء هي السبب..كيف لم تتخلل رائحته روحها؟! كيف لم يجذبها اليه اشتياقاً..فتندفع نحوه حنينًا؟! ...فكرت أن توقف
السيارة و تقترب من البحر–بحكم العادة القديمة- لتقف على صخرةٍ ما لتبوح له بحلمٍ
قديم أو بسرٍ جديد ...استمرت في طريقها بعد أن أدركت انه لم يعد لديها أيا منهما!