Monday, 14 December 2009

اعتراف من القلب


آن لي أن أقف تلك الوقفة..و أن أعترف لنفسي و لك و للدنيا بأسرها بأشياء ناء قلبي بحملها..و لم يستطع أحد أن يحملها عني أو حتى معي..أحدث نفسي بها طوال الوقت دون أن أجرؤ على أن أرفع صوتي- حتى حد الهمس- متتعللة حيناً بأنك لن تستطيع إدراك ما أقول..و أحياناً بأنك صغير على أن أثقل قلبك الأخضر بأحزان ليست من صنعك....ولكنك بعض مني...أنت وحدك في هذا الكون -الذي بات كبيراً علىّ حد الرعب- من يحمل بعضاً مني داخله..يكبر اذ تكبر..و يفرح إذ تفرح..و يحزن إذ تحزن..و يبقى إذ أرحل!

فلتقرأ تلك الكلمات يوماً ما..ولتعلم أنه مهما تغير بنا الزمن أو غيرنا..فتلك الكلمات لن تتغير لأنها أصدق ما خرج من قلبي..

انني حقاً أحمد الله على نعمة وجودك..بالرغم من مرور أوقات تمنيت فيها لو لم تكن هنا لأعفيك من عذاب أنا بعضه و من ألم لا ذنب لك فيه..و أوقات أخرى تمنيت لو أنك جئت في ظروف أخرى.. ومن رجل آخر..و لكنني أعتذر لك..فأنت- كما أنت- نعمة الله و منّته علىّ..و لولاك في حياتي لما كنت الآن أتشبت بحياة أعلم جيداً أنها سلسلة لا تنتهي من أخطاء لا تتوقف الا بتوقف الأنفاس.

أعتذر لك لأنني و بكامل إرادتي قمت بحرمانك من أبسط حقوقك في أن تحيا حياة طبيعية في بيت واحد هو بيتك.. و بين أب و أم هما أبوك و أمك..أيّاً كان هذا الأب ومساوئه أو هذه الأم و أخطائها.. لكني أقسم لك أنني حين فعلت ما فعلت كنت قد صرت جسداً خاوياً يملؤه هواء بارد..توقف فيه الاحساس و التفكير و ادراك الصواب من الخطأ و توقفت فيه الحياة بكل صورها..فأردت أن أحيا أنا من أجل أن تحيا أنت!

أعتذر لك عن كل دمعة زرفتها أو ستزرفها عيناك الواسعتان الصغيرتان,حين تبتعد عن حضني مرغماَ لتقضي بعض الوقت مع أبيك-المسافر منذ مولدك- فبات من الطبيعي و أنت في الثالثة أن تبكي كلما ابتعدت عني ذاهباً إلى المجهول من وجهة نظرك.و يشهد الله أنني أفعل ذلك من أجلك أنت..لأن أبيك وحده هو ظهرك و سندك في زمن كزماننا ومجتمع كمجتمعنا و دنيا كدنيانا!

أعتذر لك عن أسئلة كثيرة لن أستطيع الإجابة عنها..و صراع طويل قد تمر به..و غضب مفاجيء قد يتملكك..و صورة قد تهتز لأم قد أحبتك حباً ربما تكون قد عبرت عنه بطريقة خاطئة من وجهة نظرك أو وجهة نظرمن حولك.. فتلك أشياء متوقعة الحدوث..و جل ما أتمناه هو أن تملأ السكينة و الرضا قلبك بطريقة ما!!

أشكرك على إبتسامات كثيرة منحتنى إياها في أكثر لحظات حياتي صعوبة ويأساً..

أشكرك على شعوري الدائم بالفخر -حد الزهو أحياناً- لأنك ولدي..لإمتلاكك ذلك الكم من الذكاء وسرعة البديهة في الرد و التصرف اللذين لا يتوقفان عن اذهالى..و ابتسامة كل من حولك كلما مررت أمامهم و البهجة التي تنشرها إذا بقيت بينهم..و سعادتي الغامرة كلما تحسس شعرك أحد المارة في الطريق..و السكينة التي تملأني حين يربت عجوز ما على كتفك داعياً لك بالهداية,و لي بأن يحفظك الله لي!

أشكرك على تحملي في لحظات غضبي الغير مبرر و التي لم يتحملها الكثيرون ممن هم أكثر منك حكمة و إدراكاً ببواطن الأشياء و تعقيدات الحياة..فمجرد رؤيتك لدمعة تلمع في عيني تنسيك غضبك من صب جام غضبي عليك لتسألني ملحاً و الدموع تملأ عينيك أنت"مالك يا ماما؟"

أشكرك على حنان بحثت عنه كثيراً..ووجدته أسهل ما يكون في حضنك الصغير و يدك المنمنمة و هي تربت على قلبي المتعب..دون الحاجة الى تفسيرات أو أسباب..أو دون انتظار لأي شئ سوى أن أبتسم في وجهك الصغير-المبتسم من أقصاه لأقصاه ابتسامة رسمتها أنت ببراعة لتخبرني أن كل شيء سيصبح على ما يرام!

أشكرك لأني أمك و لأنك راض عن أمومتي لك-حتى الآن على الأقل-..كوني أمك يملأني فرحة ليست مثلها فرحة في دنيا عز فيها الفرح..و يقيناً ليس بعده يقين أن أبواب جنة نعيم ستفتح لي-إن شاء الله- في دار خير و أبقى من دارنا تلك!