وقفت بين يديه و قد انتابها شوق جارف اليه..تشعر أنها لم تلتقي به منذ زمن..و أن لديها حكايا كثيرة تقصها عليه و هموم كبيرة تلقيها لديه..حاولت أن ترفع عينيها اليه فلم تستطع..أثقلتها دموع وهن و خجل و كـأنها المرة الأولى التي تعود اليه فيها بعد احدى غيباتها -التي طالت أو قصرت- كانت تجده دوما في انتظارها بحضن أكثر اتساعا من رحابة الكون..و أكثر دفئا من شموس الدنيا و لو أشرقت معا!لم تستطع كتفاها أن تحمل همومها فانحنت و احنتها..هو فقط من تستطيع أن تنحني أمامه و له.. لأنه هو فقط من يدرك قدر ما تحمل.. و هو فقط من يستطيع أن يحمله عنها..هو فقط من يستطيع الفهم حين يعجز الآخرون عن ذلك..و هو فقط من يعطيها تلك الراحة التي أضاعت عمرها بحثا عنها و هي في الأصل غير موجودة الا عنده!صارت دموعها نشيجا ثم صار نشيجها نحيبا..ثم أصبح نحيبها أنينا..لم تعد قدماها قادرتان على حملها فجثت على ركبتيها..اقتربت رأسها من الأرض ببطء..تتساقط عنها الأثقال و الأفكار,كم هو رائع أن يحكي الصمت..دون الحاجة لكلمات للشرح و علامات للاستفهام و التعجب!شعرت بخفة تملأها و تحيط بها.. تحملها بعيدا عن سطح الأرض و ترهات البشر و قسوة العالم..تحملها لبراح من راحة خالصة, و فضاء من فضة ذائبة..كون خاص بها وحدها حيث المتسع من كل شئ و الممكن من أي مستحيل.لامس جبينها الأرض فشعرت بحاجة ملحة أن تناجيه و تناديه.."يا حبيبي.." شعرت بجبتها تلتصق بالأرض.."ليس لي سواك" شعرت بأرنبة أنفها تنضم لجبهتها للإلتصاق به.."لا تتركني وحدي بعالم لا يستقيم الا بك" شعرت بأصابعها تعتصر ذرات الأرض شوقا "امتلأ قلبي برجاءك و انقطع عمن سواك"..شعرت بركبتيها و أصابع قدميها يحفرن الأرض التصاقا به.."يا حبيبي.." شعرت بملايين ذرات جسدها تلتصق بالأرض أمانا و ايمانا..خشوعا و سجودا..
"يا الله..اقبلني ببابك..و ادخلني رحابك..و اقبل حبي لك..صلاة"
"يا الله..اقبلني ببابك..و ادخلني رحابك..و اقبل حبي لك..صلاة"