Wednesday, 26 November 2008

أشياء مبعثرة


بدت الغرفة و كأن الشرطة قد انتهت للتو من تفتيشها تفتيشا دقيقا وافيا!كل الأشياء قد خرجت من أماكنها ,فبات من المستحيل تحديد الملامح الأصلية للمكان..أوراق و أقلام و ألوان خشبية متناثرة على الأرض,شرابات فوق السرير و قطع ملابس صغيرة تحته..وسائد ملقاه في ركن الغرفة في استسلام بعد أن أنتهت مهمتها كدروع واقية في الحرب الهوجاء التي انتهت منذ لحظات قليلة بفوز الطرفين!قطع مكعبات ذات ألوان زاهية نجحت في أن تزيد من حدة الصداع الذي ما زالت تشعر به..و صندوق ألعاب مسكين قد انكفأ ارضا فأخرج جميع أسراره و خباياه.
نظرت الى الطفلين النائمين في سلام تام بعد انتصاراتهما العظيمة,و قد استلقى أحدهما بعرض السرير فتدلت قدماه الصغيرتان من الجهة المقابلة..أما الأخر فلم يحالفه الحظ و لا الوقت في الوصول الى السرير فاستلقى نصف جسده الأعلى فوقه و ظل نصفه الأخرفي منتصف الطريق!!وضعت كل منهما في فراشه و شدت عليهما الأغطية و دفنت شفتيها و أنفها-كما هي عادتها- في رقبة كل منهما للحظات تشتم رائحة الطفولة ممزوجة برائحة العرق البرئ ,شعرت بالرائحة تتسلل الى رئتيها فتفسح مكانا أكثر اتساعا يسمح لها بأخذ نفسا أكثر عمقا..سحبت نفسا ثم أخر,ثم بدأت مهمتها شبه المستحيلة في اعادة كل شيء حيث كان..أعادت للمرة العشرين ترتيب الكلمات التي تنوي أن تقولها اليوم..تعرف تماما ما سوف يحدث..سيستمتع اليها مدعيا الانصات,ثم سيقترب منها طابعا قبلة خاوية فوق جبينها و هو يقول"ربنا يهديكي.." ثم يضيف ربتة الاستهزاء التي تعرفها جيدا,و يتابع ما كان يفعله و تتابع هي ما لم تكن تفعله!
باتت الكوابيس تغتال لياليها, و نوبات الصداع تفتك بصباحاتها..لم يعد لمج النسكافيه أو فنجان القهوة و السيجارة المسروقة اللذان يليانه أي تأثير يذكر..باتت الهالات حول عينيها أخاديد حفرها اليأس و الصمت العاجز و قلة الحيلة! أصبح للكلمات ثقل الجبال على لسان اعتاد أن يقول فقط ما يجب أن يقوله,ففقد الرغبة بالتبعية في قول أي شيء..لكنها ستقول اليوم.. و ستفعل أيضا.راحت تلقي بالألعاب داخل الصندوق و قد انتابها غضب راحت موجاته تتزايد حدة,مسحت دمعة غافلتها فغلبتها و جرت معها سيل من دموع رفضت كثيرا الافراج عنها..جثت على ركبتيها و احتضنت نفسها بشدة علها تجد بعضا من دفء ما عادت تبحث عنه.
كانت تطفيء النور و تهم بمغادرة الغرفة عندما سمعت صغيرها يناديها:
-ماما
اقتربت من فراشه..
-نعم يا روح قلبي.
-انت "لوحة قلبي"..انت رايحة فين؟
ابتسمت و هي تقبلة قبلة كبيرة على خده الصغير
-أنا هنا يا حبيبي.
ربت على كتفها بكفه الصغير قبل أن يستسلم مرة أخرى لنومه العميق
-"بعبك" قوي .
-و أنا كمان بحبك قوي قوي.
ذهب الغضب من حيث أتى و عاد الهدوء من حيث اختفى..سادت الغرفة سكينة النيام و سا د القلب سكون الأموات.أغلقت الباب خلفها و ذهبت لتعد العشاء في صمت.

قرأت اليوم..


Once in a lifetime


It only happens once,not twice,

The moments vanishing like mice,

scurrying past,life much too fast,

and only for the very brave..The strong..The true,

and when the moment comes for you,

don't let it pass you by,

for in the twinkling of an eye,

the love is gone,

the moment dead,

an empty ringing in your head,

your heart will know

when fate has whispered in your ear..

oh never fear!

for in the end it's worth the price,

the fee,

the cost,

when all is lost,

but love is won,

when true love comes..

there is but one!


by Danielle Steel

Monday, 24 November 2008

محطة قطار



شبه خاوية.. دخلت المحطة بخطوات شبه واثقة, أو هكذا تبدو لمن يراها.. تتحسس كوفيتها حول رقبتها للتأكد من دفئها... تلقي نظرة واسعة سريعة تتمهل لتسرح في تفاصيل الأشياء و الأشخاص الموجودين في محطة القطار.
شبه فارغة.. تمارس فيها الرياح دورانها غير عابئة بما تصدره من عويل , فد يخيف طفل صغير يحاول مواصلة الركض خلف أبيه للحاق بقطار كاد أن يتحرك, أو يزيد من شعور امرأة عجوز تجلس -في صبر- بالوحدة و البرد.
ثلاثة أرصفة تفصل بينها أربعة قضبان حديدية شهدت الكثير من الوداعات و نهايات الحكايات..كما أدفأها القليل من أحضان الشوق و دموع اللقاء.مقهى صغير,يدور حول طاولاته الحديدية اللامعة نادل لم يعد يري شيئا من كثرة ما رأي! ورجل يجلس ليبحث عن الدفء في البخار المنبعث من كوب الشاي الموضوع أمامه, و دخان سيجارته الذي يحيطه بهالة من عدم الوضوح...وبجواره علي الرصيف تراصت صحف لا تدري ان كانت صحف اليوم أم الأمس, يعبث الهواء بأوراقها محاولا في عناد التغلب علي الأثقال الحجرية التي ترسخ فوقها..عله ينجح في تمزيق بعض صفحاتها فيريح الناس من بعض هموم ذلك الوطن الذي لم يعودوا ينتمون إليه!
شعرت أن كوفيتها لم تعد تعطيها الدفء الذي تنشده,فراحت تحرك قدميها سائرة إلى اللاشيء و قد أغشت عينيها دموع ربما تكون بسبب البرد الذي بدأ يتخلل جسدها..أو ربما تكون بسبب الذكريات التي راحت تتدافع علبها الواحدة تلو الأخرى..رأت نفسها تقف على الرصيف المقابل..تبدو أصغر سنا و أكثر إشراقا, تحمل أمالا عريضة لمستقبل رسمته لنفسها بنفسها..طريق صممت أن تمضي فيه رغم اعتراض الآخرين. رأت نفسها عائدة على نفس الرصيف و قد خذلها الخوف و عدم الثقة و كلام أمها.. فكان أن خذلت هي نفسها!رأتها تقف هنا و قد مضت بضع سنين تودع زوجا لم تعد تذكر ما الذي ربطها به..تتعلق به لأنها لم تكن تجد سواه تتعلق به.. تتركه مرغمة ليمضي..لتترك بعد ذلك كل ما بينهما يمضي! ما الذي جاء بها الى هنا اليوم؟!حاولت جاهدة أن تتذكر.. أجاءت لتستقبل غائب أم لتودع أخر سيغيب؟
شبه نائمة ..سرحت ببصرها فرأت قطارا يقترب ببطء.. يبدو مختلفا عن غبره من القطارات..لا يصدر الضجة المعتادة و كأنه يتسلل كى لا يشعر به أحد!توقف أمامها مباشرة ...نظرت بداخله فبدا لها ركابه أيضا مختلفين..يبدون أقل صخبا و أكثر سكينة و رضا..استغرق كل منهم في أفكاره و كأنه وحده تماما!..ما الذي جاء بها الى هنا؟!راحت تعتصر ذاكرتها المتعبة.. ألتعطي شخصا ما شيئا ما ليسلمه لشخص ما؟! أم لتأخذ شيئا ما من شخص ما لتعطيه لشخص ما؟!
ازدادت الضجة من حولها و قطار أخر يهم بالرحيل مصدرا صافرته الأخيرة و رجل يركض لاهثا خلفه ليلحق به..فراح يتخبط بأحماله و أمتعته و همومه..و أخر يسير بخطى واسعة متابعا النوافذ التي راحت تتلاحق أمامه حتى وجدها مستندة برأسها على النافذة و قد أصابها اليأس من أن يأتي لوداعها,و ما أن رأته حتى عاد الدفء الى عينيها و راحت تلوح له بكل ما بها من عزم وكأنها كلها قد صارت يدين تلوحان و تخبران و تشتاقان و تتشبتان!
بات طعم الملح متلاحقا فوق شفتيها,توقفت عن محاولاتها اليائسة للتذكر..تجاهلت هاتفها المحمول الذي راح يرن في إلحاح..شعرت بكوفيتها تكاد أن تخنقها فأزاحتها من حول رقبتها و تركتها تقع بجوارها..تقدمت خطوة نحو القطار الساكن أمامها و الذي بدأ أيضا في التحرك دون أن يصدر أي صوت..خطت خطوة ثم خطوتين ثم باتت الخطوات أكثر سهولة..راحت جميع الأصوات تبتعد..و همس صامت يعلو بداخلها..إلى أين؟ وضعت قدما داخل القطار تبعتها الأخرى لأنها لا تملك سوى ذلك..إلى أين؟ استدارت لتنظر حيث كانت تقف, رأت كوفيتها و قد تكومت على الأرض وحيدة..ألقت نظرة أخيرة على المودعين و الراكضين و المنتظرين شيئا ما..ابتسمت..أي مكان أفضل من هنا!