شيببتنا الدنيا قبل أواننا فصرنا نواري شبابنا التراب.. علمتنا الدنيا حكماً لا يدركها سوى من قارب على نهاية الرحلة .. فتعلمنا أن وجود المحب في حياة المحبوب نعمة تستحق الثناء و أن لا يكون ذلك الوجود أبدا من المسلمات.. فتذكرنا أن نخبر الأحباء كل يوم أنَا نحبهم قبل أن تأخذهم أقدارهم منا دون رجعة.. أخبرنا الشيوخ أنهم أقرب منا للمرض و للموت إلا أن الحياة علمتنا أن كلنا راحلون ..قصر الوقت أم طال.. و سيبقى الأثر
عرفت هشام - رحمه الله- منذ 10 أعوام قبل أن أراه.. عرفته من حكايات والدته عنه هو و أخويه بارك الله لها فيهما..
عرفته لأنها كانت تكثر الحديث عنه لكثرة مواقفه الضاحكة.عرفته ضحوكا حنونا على الاطفال و الحيوانات الاليفة..مربيا لها باستمرار في منزلهم.. اذكر منها العصافير (التي لم يكونوا يستطيعون النوم من صوتها و كان يدخلها إلى حجرته في الشتاء خوفاً عليها من البرد و المطر ..و العصفور الذي أحبه أكثر من غيره فتركه طليقا خارج القفص بعد أن احكم اغلاق النوافذ ) و السحلية و السنجاب و الببغاء( الذي اشتراه صغيرا لا يعرف الكلام و حاول طويلا ان يعلمه الكلام دون جدوى )و الثعبان الذي ذهبت والدته يوما لتطعمه فلم تجده!! و بحثت في كل مكان في البيت عنه دون جدوى )
عرفته طاهيا مبتكرا.. يضيف لمساته الخاصة على الطعام، ويعد اطعمة غريبة كنت احرص دائما على معرفة وصفاتها.. فتخبرني والدته ضاحكة " والله ما اعرف يا بنتي عملها ازاي ".
عرفته محبا لوالديه بارا بهما.. اخا و صديقا لأخوته و اصدقاءه.. صموتا قليل الشكوى ان لم يكن عديمها.
ثم التقيته شخصيا عدة مرات و ما علق بذاكرتي دائما هي ابتسامته التي لا تغيب عن وجهه.
عرفته في مرضه صبورا حمولا راضيا بقضاء الله محبا للحياة مقبلا عليها.
عرفته محبوبا من المئات بل ربما الآلاف بعد وفاته ..رأيت المئات يصلون في جنازته و لا يسعهم الحزن و لا المكان.. يشهقون و ينتحبون في صمت قدر الإمكان و لا يستطيعون كتم البكاء وقت الدعاء للميت الذي طال و مع ذلك لم يكف الأدعية التى امتلئت بها الصدور...ثم سخر الله له صديقا مخلصا ادمى القلوب و أبكى العيون بدعائه الصادق على قبره.. شابا في مقتبل العمر يدعو لمثله و يؤمن خلفه الشيوخ و العجائز و أمثاله من الشباب .. رأيت عشرات الوجوه تبكي في صدق و تحتضن والديه بشدة.. رأيت جميع الأعمار و الأطياف بجنازته و عزائه...
عرفت للمرة الأولى معنى حسن الخاتمة -بإذن الله- التي لا يهبها الله الا لمن أحبهم و اصطفاهم..فطهرك و رفعك درجات بمرضك و صبرك عليه..ثم ألان لك قلوبا لم تعرفك فترحمت عليك بظاهر الغيب و سخر لك من يدعو و يستغفر لك و يخرج الصدقات و يعتمر باسمك... فهنيئا لك يا هشام بإذن
الله.
عرفت والدته اعواما طويلة ..عرفتها حامدة ذاكرة لله صابرة على المحن و الابتلائات..لم أسمع منها أبدا سوى " الحمد لله".. في مرضها و في محنة الابن الأكبر و مرض الابن الأوسط و مرض الزوج ثم فراق فلذة الكبد و أعز الأحباب ..كل هذا لم يزدها إلا حمدا!
أشهد الله اني احبها و احب هؤلاء الناس في الله و أتمنى عليه أن يرفعني لدرجاتهم في الجنة ويشفع لي بحبي لهم...حين تزول الأرض و السماء و
أشهد الله اني احبها و احب هؤلاء الناس في الله و أتمنى عليه أن يرفعني لدرجاتهم في الجنة ويشفع لي بحبي لهم...حين تزول الأرض و السماء و
تنتهي الدنيا بكل شقائها و زيفها..و لا يبقى سوى وجهه الكريم.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ
نسألكم الفاتحة و الدعاء لروح
د/ هشام عاطف شاهين
No comments:
Post a Comment